انزعاج فوق العادة.. ما خَطْبُ الصهاينة؟
رابطة علماء أهل السنةما الخطب بحق السماء؟! على الرغم من حرص الكيان الصهيونيّ على الإعلان عن التعاون التام مع النظام المصريّ، فإنّ حالة الانزعاج على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية حيال ملابسات حادث مقتل الجنود الإسرائليين على الحدود بين البلدين فَجْرَ السبت الماضي قد بلغت حدًّا استثنائيًّا؛ فهل وراء الأكَمَة ما يعلمه الطرفان ويحرصان على إخفائه حرصهما على دوام واستقرار العلاقات الطبيعية -بل والحَمِيمِيّة- بين النظامين؟ أم إنّ الحدث عارٍ عن شبهة المؤامراتيّة لكنّ أسبابًا أخرى تقف وراء هذه الحالة من الهياج المكبوت؟
محمد صلاح لم يكن الأول ولن يكون الأخير
بالأمس -وبالتحديد في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1985- كان “سليمان خاطر” يسطر بطولة فردية بقتله سبعة أفراد من السائحين الصهاينة؛ لكونهم رفضوا أمره لهم بالتراجع، وقد حُكم عليه بالإعدام ثم خُفف الحكم إلى المؤبد؛ ليصحو المصريون يومًا على الفجيعة ويجدوه مقتولًا في محبسه، وليصبح بعدها أيقونة الشهامة والجندية لأحرار مصر الذين لم ينسوا صنيعه الملهم، وإلى الآن لم يتوصل أحدٌ إلى حل لغز مقتله، وإن كانت أصابع الاتهام من الشعوب العربية لم تخطئ الهدف “الكيان الصهيوني” السفاح.
واليوم، وبعد غياب طويل للنماذج البطولية الفردية، يأتي “محمد صلاح” الشرطيّ المصريّ الذي لم يجاوز الثانية والعشرين من عمره، والذي استطاع وحده رغم ضعف تسليحه بالنسبة لتسليح الصهاينة أن يقتل ثلاثة جنود منهم وأن يصيب ضابطًا قبل أن تقوم القوات الإسرائيلية بقتله، لينال الشهادة مبكرًا ويلحق بأخيه سليمان خاطر، وبسائر من سبقه من الشهداء على درب النضال ضد الصهاينة المجرمين، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعيّ في مصر وسائر البلاد العربية؛ لتحيي أيقونة جديدة.
ما الخطب يا قوم؟
الحادثة ليست سوى عمل فرديّ، وكم من فرد يعدل في ميزان الرجال أمّة برمتها! وكم من صواب لا تحرزه الأنظمة ويفوز بإحرازه فرد منها! وما أكثر الأمجاد التي سطرها رجال أفذاذ بينما أجفلت عنها حكومات وجيوش! هذا هو الخطب وهذا هو الأمر الذي يقض مضاجع القوم، ولا يشغلنا بعد ذلك شيء من التحليلات والتوقعات التي تبحث عن دوافع الشهيد في قيامه بما قام به، واردٌ أن يكون كما قيل إنّه انتقام لبعض أصدقائه الذين قُتلوا أمامه من قبلُ ولم يحرك النظام ساكنًا، وواردٌ أن يكون شيئًا آخر مما تحترق له قلوب الشباب في هذا الجيل الذي أحرقه الكبار من كل فصيل.
ما المزعج للصهاينة تحديدًا؟
قد يقال إنّ مجرد قتل ثلاثة جنود من الصهاينة بحدّ ذاته أمر مزعج للغاية بالنسبة للصهاينة؛ إلا أنّ هذه النظرية قد تكسرت وتحطمت على أيدي الأبطال من أبناء المقاومة الفلسطينية من الفصائل المجاهدة كافّة، الذين جعلوا الموت للصهاينة أمرًا عاديًّا واردًا عليهم في أيّ لحظة، وقد يقال إنّ وقوع ذلك بيد جنديّ مصريّ يثير لدى الصهاينة خوفًا من نوع خاص، ويذكّرهم بآلام أكتوبر، ولا أحسب هذا إلا مبالغة في إحسان الظنّ بجيش ونظام لم يفوّت فرصة لإطفاء المصباح الوحيد الذي كان يلمع في سماء قرننا الأخير إلا وانتهزها بل وأحسن اهتبالها، حتى أضحت بلادنا لا تخيف هرًّا تائهًا بين الصخور، ولو كان ذلك الهرّ يهدد الأمن المائيّ للمصريين ويصادر حقهم في النيل إلى يوم الدين، أو كان تاجر إبل يثير بعبثه الغبار على الجميع.
المزعج تحديدًا هو أنّ الصهاينة فوجئوا بأنّ مشروع التطبيع قد فشل فشلًا ذريعًا في تغيير عقيدة الأمة، ولا سيما بعد الضجّة الكبيرة والهبّة الواسعة والفزعة العريضة على مواقع التواصل الاجتماعي، لقد بذل الصهاينة الكثير من خلال عملائهم في المنطقة العربية والإسلامية للعبث بعقيدة الجيل واللعب في المكون الثقافي للأمة، وها هي التجربة تبوء بالفشل، وها هو نجاح آخر تحققه المقاومة الإسلامية في القدس وفلسطين؛ بنقل روح المقاومة وروح الجهاد إلى قطاعات عريضة في الأمة العربية والإسلامية، وهذا هو المزعج.