الخميس 21 نوفمبر 2024 05:54 مـ 19 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    أبعاد سعي الدول العربية للانضمام إلى تجمع بريكس

    رابطة علماء أهل السنة

    المنظمات الإقليمية والدولية، لها دور مهم في أداء الاقتصادات المنتمية إليها، ولكن ذلك يتوقف على عدة أمور منها: ألا تكون هناك دولة أو عدة دول قليلة مسيطرة على سياسات تلك المنظمات أو اتخاذ القرار فيها.

    فكثير من الدول تشتكي من أداء المؤسسات المالية الدولية (البنك والصندوق الدوليان)، فعلى الرغم من عضوية معظم دول العالم بتلك المؤسسات إلا أنها تقع تحت سيطرة الغرب وأميركا بشكل كبير، في ما يتعلق بوضع السياسات أو اتخاذ قرارات التمويل، أو تبني سياسات اقتصادية معينة.

    ومع بداية انطلاق مجموعة "بريكس" بنهاية التسعينيات من القرن العشرين، ثم انضمام جنوب أفريقيا لها، نظر إليها البعض على أنها البديل المنتظر للنظام الاقتصادي والمالي العالمي السائد منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، والذي تجني ثماره وتتربع على عرشه أميركا.

    حقبة جديدة

    بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، برز صوت بريكس في ما يتعلق بمتطلبات تغير قواعد النظام المالي والنقدي العالمي، سواء بالنسبة للاستمرار في استخدام الدولار كعملة رئيسة في تسوية المعاملات المالية والتجارية، أو في دور المنظمات المالية الدولية، والتحكم في القرار بداخلها، وكذلك تمثيل الدول في مجالس إداراتها.

    إلا أن السياسات المالية والنقدية الأميركية، وما نتج عنها من مشكلات لباقي دول العالم تفاقمت في ما بعد عام 2010، وكذلك زادت حدة هذه المشكلات بالنسبة لتجمع بريكس، بعد تصعيد الرئيس الأميركي السابق ترامب في حربه التجارية ضد الصين على وجه الخصوص ودول أخرى غربية وغير غربية.

    وبعد أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، طاولت كثيرا من مفاصل تعاملاتها الخارجية والداخلية كذلك، أعلنت بعض دول بريكس عدم التزامها بتلك العقوبات، وهو ما يعد سابقة في مخالفة القرارات الأميركية، ووجود صوت يخالف التوجهات الأميركية والغربية.

    وهو ما أعطى الأمل في أن تنجح المجموعة في تغيير شكل خريطة القوى الاقتصادية الدولية، وبث الأمل في إمكانية نجاح بريكس في إصدار عملة موحدة، أو طرح عملة بديلة للدولار، وإن كان ذلك في إطار المأمول.

    إلا أن ما نشر مؤخرًا من تقديرات حول مساهمة بريكس ونصيبها من الاقتصاد العالمي، مقارنة بجموعة السبع الصناعية، عزز آمال أن تمثل بريكس جبهة مواجهة لأميركا والغرب، حيث أشارت هذه التقديرات إلى أن بريكس تساهم بنسبة 31.7% في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7% للدول الصناعية السبع.

    سعي عربي

    ووسط هذه الأجواء الاقتصادية العالمية المضطربة، على صعيد النفط والغذاء والديون، وكذلك أداء الأوضاع المالية لجزء كبير من دول العالم، المتقدمة منها والنامية على السواء، كانت الأوضاع لبعض الدول العربية مناسبة للتفاعل مع تجمع بريكس.

    فمصر حصلت على عضوية بنك البنية الأساسية الذي أسسته مجموعة بريكس، كما أن هناك مجموعة من الدول العربية تقدمت بطلب للانضمام لتجمع بريكس (مصر، الجزائر، السعودية)، وقد أعلن مؤخراً الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، أن بلاده على مقربة من الانضمام إلى بريكس، كما أن تونس أعلنت كذلك عزمها على الانضمام للمجموعة.

    وحسب المصالح الاقتصادية، والبحث عن أدوار إقليمية أو دولية سوف تسرع باقي الدول العربية للانضمام إلى مجموعة بريكس، فإذا كانت مصر سعت إلى عضوية بنك البنية الأساسية، من أجل أزمتها التمويلية، وحاجتها الدائمة للحصول على تمويل خارجي، فإن السعودية والجزائر لهما حاجات أخرى، على رأسها حماية مصالحهما في السوق الدولية، باعتبارهما مؤثرتين في سوق النفط الدولية، وكذلك لهما دور في منظمة "أوبك" وتكتل "أوبك+".

    الأبعاد الإيجابية والسلبية عربياً

    حسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لتجمع بريكس 24.2 تريليون دولار عام 2021، تستحوذ الصين على نسبة 73.1% منه. بينما الناتج المحلي للدول العربية بنهاية عام 2022، بلغ 3.4 تريليونات دولار، وذلك حسب تقديرات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات.

    إذا لا وجه للمقارنة لا من حيث الكم ولا الكيف، بين بريكس وإجمالي الدول العربية بخصوص قيمة الناتج المحلي الإجمالي، فضلًا عن أن الناتج المحلي الإجمالي العربي يغلب عليه المكون الريعي النفطي، وفي حالة هبوط أسعار النفط عما كانت عليه في المتوسط عام 2022، فستكون قيمته بلا شك أقل مما تحقق في عام 2022.

    ويضم تجمع بريكس 3 دول صناعية صاعدة، وهي (الصين، والهند، والبرازيل)، ويمكن للدول العربية أن تغير طبيعة تعاملاتها مع تلك الدول، بحيث يكون نقل التكنولوجيا وتوطينها من هذه الدول للدول العربية، واجب المرحلة خلال الفترة القادمة، ويكون ذلك بشكل كبير من خلال استثمارات مشتركة، أو بعثات تعليمية مستهدفة للمجالات الصناعية، أو الزراعة، التي تعاني فيها المنطقة العربية من مشكلات كبيرة.

    وما لم تستهدف الدول العربية من انضمامها للبريكس تطوير أوضاعها الصناعية والزراعية، بجوار المعاملات التجارية، فلن يغير الوضع شيئا في الدول العربية، فغالبية الدول العربية لها تعاملات تجارية بشكل فردي مع أعضاء تكتل بريكس، بل بعض هذه التعاملات مر عليه عقود، إن لم يكن قرون.

    ومن الأبعاد السلبية عند الحديث لسعي الدول العربية للانضمام لبريكس، أنها لم تفكر في تفعيل جامعة الدول العربية كمؤسسة إقليمية، يمكن أن تمثل كافة الدول العربية في هذا التجمع، وبالتالي يمكن الحصول على شروط عضوية أفضل، ويمكن الحديث بلغة المصالح عبر الثروات النفطية، وتحقيق مكاسب أكبر، ولكن للأسف الملاحظ أن المساعي لكل دولة على حدة.

    وبالتالي ستكون المزايا التي تتحقق للدول العربية من انضمامها لبريكس، شديدة المحدودية، وستكون الاقتصادات العربية، مجرد أسواق لترويج وتوزيع المنتجات الخاصة لدول بريكس، وهو الحادث بالفعل بالنسبة للصين والهند.

    البرازيل والمساهمة الزراعية

    تعد البرازيل واحدة من الدول ذات الإنتاج الزراعي الكبير، والدول العربية لديها مشكلة في توفير احتياجاتها الزراعية بشكل كامل، مما يجعلها تعتمد على توفير الأمن الغذائي الخاص بها من خلال الاعتماد على الاستيراد.

    وحسب تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، فقد بلغت قيمة الفجوة الغذائية العربية 44.1 مليار دولار، وقد يكون من المناسب أن تخطط الدول العربية للإفادة من الثروة الزراعية في البرازيل، لتطوير قطاع الزراعة، وكذلك وجود استثمارات مشتركة في قطاع الزراعة، بما يؤدي إلى سد الفجوة في المنتجات الزراعية والغذائية بالمنطقة العربية.

    وفي حالة نجاج تحقيق هذا الهدف، فسيكون العائد منه إيجابيا على المواطن بالدول العربية، لمواجهة الأزمات المتكررة في أسواق الغذاء، وكذلك مواجهة موجات التضخم الناتج عن التضخم المستورد، بسبب الاعتماد بشكل كبير بالدول العربية على استيراد الغذاء.

    أجندة رأسمالية بلا مقابل

    ومن الأمور المهمة التي تنبغي الإشارة إليها، أن بريكس لم يقدم نفسه على أنه المتحدث باسم الدول النامية، ولكن ما بينه وبين الغرب وأميركا، هو صراع على المصالح، وتجمع بريكس يعمل في ضوء علاقاته التجارية والاقتصاية وفق قواعد الرأسمالية البحتة، من حرية التجارة، والمضاربات بالأسواق المالية، واعتماد الديون في تمويل التنمية.

    ورأينا مشكلات الصين الداخلية في ما يتعلق بتراكم الديون وتعثر المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك معضلة أكبر شركة عقارية هناك "ايفرغراند"، وإذا قبلت الدول العربية هذه الأجندة، فلا فائدة مع بريكس ولا مع غيره.

    بريكس الصين الهند الدول العربية البرازيل اقتصاد

    مقالات