مراقبون يعربون عن قلقهم تجاه اتفاقية ”لم الشمل” بين السلطة الفلسطينية والاحتلال
رابطة علماء أهل السنةأثار إعلان وزير الهيئة العامة للشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ، الإثنين الماضي، توصل السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى اتفاق يمنح بموجبه خمسة آلاف عائلة فلسطينية تصاريح لـ"جمع الشمل"، تساؤلات حول أسباب القرار وتوقيته وقانونيته.
وحذر سياسيون وباحثون، من استغلال حكومة الاحتلال للاتفاق، وفرض رؤيتها الكاملة على الطرف الفلسطيني، وكسب الوقت وتهيئة الظروف لبناء المزيد من المستوطنات، وصرف الأنظار عن منح الفلسطينيين حقوقهم الثابتة والمنصوص عليها، عبر منحهم بعضًا منها وبـ"التقسيط".
لا يوجد أمان مع "إسرائيل"
رئيس لجنة فلسطين في البرلمان الأردني النائب محمد الظهراوي، رحب "بلم شمل أي عائلة فلسطينية"، لكنه في الوقت ذاته، شدد على ضرورة التزام السلطة الفلسطينية بلم شمل مئات آلاف الفلسطينيين الموجودين في الخارج، من الذين لا يحملون الوثائق، ومن الذين تقطعت بهم السبل في مصر ولبنان والعراق.
وذهب إلى أن "أي اتفاق مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، يكون وراءه تنازلات كثيرة وكبيرة، وأنه لا يوجد أمان مع إسرائيل" على حد قوله.
وأشار في حديثه لـ"قدس برس"، إلى أن "إسرائيل" تنفذ من خلال أي اتفاق تبرمه "أجندات كبيرة"، مؤكدا أنها "لا تحترم المعاهدات ولا المواثيق".
وتابع: "مع ذلك، أنا مع أن يرجع كل فلسطيني إلى أرضه فهذا حلم، وأن يلتئم شمله مع عائلته، ولكن نحذر من أن يكون وراء هذا الاتفاق شيء عظيم".
إجراءات بناء "ثقة"
بدوره قال مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية في الأردن، عريب الرنتاوي، إن "لم شمل الأسر الفلسطينية، حق مشروع لكل الفلسطينيين، كفلته القوانين والأعراف الدولية، وهو جزء من التفاهمات والتوافقات الفلسطينية السابقة التي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط".
ولفت الرنتاوي في حديث مع "قدس برس" الانتباه، إلى أن "إسرائيل تقدم هذا الحق الفلسطينيي الثابت بالتقسيط، ولا تسمح لكل الأسر بلم الشمل، بل حددت عددا معينا، وهناك أُسرًا أخرى لن تحظى بهذه الفرصة".
وأوضح أن الموضوع يندرج في سياق النظرة الأمريكية لكيفية إدارة الملف الفلسطيني الإسرائيلي، واعتبر أن "واشنطن لديها مقاربة تقوم على نقطتين جوهريتين: تثبيت التهدئة في غزة، وإجراءات بناء ثقة في رام الله بين السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل، وأن لا مكان لمسار تفاوضي ولا لحلول سياسية أبدا".
وأشار الرنتاوي إلى أن رئيس حكومة الاحتلال نيفتالي بينيت "يؤكد بصورة يومية أنه لا يلتقي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأنه لا يوجد حاليا مفاوضات فلسطينية إسرائيلية، وأن شريكه في الحكم يائير لابيد، أبلغ الأوروبيين، رفضه لمسار تفاوضي قائم على حل الدولتين".
وأضاف: "إسرائيل تستجيب لرغبة الولايات المتحدة بشق مسار إجراءات بناء ثقة، وليس مسارا تفاوضيا حول الحل النهائي بالمعني الحقيقي"، مبيّنا أن قرار لم شمل خمسة آلاف عائلة فلسطينية، ومنح "إسرائيل" للسلطة الفلسطينية قرضًا بقيمة 500 مليون شيكل (حوالي 155 مليون دولار)، ومنح أذونات بناء للفلسطينيين في المنطقة "ج"، يقابلها بناء 2500 مستوطنة، تأتي ضمن مسار بناء الثقة.
مخاوف من "تأبيد" الحلول المؤقتة
ويعتقد الرنتاوي، أن هذه الإجراءات "بديل للحل النهائي وليست توطئة له، بمعنى أن السلطة قائمة، وما يجري هو العمل على تحسين أوضاعها، وتعزيز مكاناتها عبر سلسلة إجراءات اقتصادية، والتنسيق الأمني وبعض التسهيلات، كالسماح لعمال الضفة العمل في الداخل الفلسطيني المحتل".
ورأى مدير مركز القدس للدراسات أن "ما يسرّع العمل بهذا المسار لدى الإسرائيليين والأمريكيين، الخشية من تنامي دور حماس، بعد انتفاضة القدس ومعركة سيف القدس، وتحقيق حماس شعبية كبيرة بعد آخر مواجهة بين غزة وإسرائيل في الأوساط الفلسطينية".
وذهب الرنتاوي إلى أن الإدارة الأمريكية والإسرائيليين، يخشون على السلطة من التآكل؛ ليس بسبب نفوذ "حماس" المتزايد فحسب، بل بسبب التشققات الداخلية في السلطة وصراعاتها، وبالذات المشاكل التي تفاقمت بعد اغتيال نزار بنات، وازدياد القبضة الأمنية ضد المتظاهرين السلميين في رام الله، والاعتقالات التي طالت قيادات وكوادر وشخصيات من منظمة التحرير الفلسطينية ومفكرين ومثقفين وأدباء وفنانين.
وزاد: "السلطة في وضع مزر شعبيا واقتصاديا وماليا، وسياسيا مأزومة لعدم وجود أفق لحل سياسي، وبالتالي لا بد من التعويض عن هذا الضعف، بإجراءات وضعت في رزمة واحدة، هي إجراءات بث الثقة، من ضمنها مشروع لم شمل خمسة آلاف عائلة فلسطينية".
وأشار الكاتب السياسي، إلى أن مواضيع الحل النهائي غير مطروحة على جدول اتصالات الأطراف الإسرائيلية الأمريكية والفلسطينية.
وأكد أن "الإدارة الأمريكية ليست بوارد هذا التحرك، وأن لديها أجندات ثقيلة ليس من بينها الموضوع الفلسطيني، وليس في إسرائيل أي طرف يستعد أن يذهب في هذا المشوار حتى نهايته، أو حتى مجرد شق طريق جدي نحو هذا الهدف تسجيل الدولتين" وفق ما يرى.
وتابع: "في ظني أن موضوعات الحل النهائي غير مدرجة على جدول أعمال هذه الاتصالات، ونحن نتحدث عن قضايا جزئية".
وأجمل الرنتاوي الإجراءات المتوقعة بقطاع غزة، في "تثبيت التهدئة، وزيادة مساحة الصيد البحري، وتخفيف الحصار عبر فتح المعابر جزئيا أو كليا، وربما إعادة إعمار جزئي ومشروط وبأقسى الشروط، وتسهيل المنحة القطرية عبر الآلية الجديدة".
العودة حق وليس منّة
فيما أكد الباحث في القانون الدولي مصطفى نصرالله، أن "عودة الشعب الفلسطيني الى فلسطين حق طبيعي وقانون ونصت عليه المواثيق الشرعية والدولية، وليس مِنةَ من الاحتلال الصهيوني".
ورأى في ممارسة الكيان الصهيوني منع الشعب الفلسطيني والعائلات الفلسطينية من العودة الى مدنهم وقراهم، "تعدٍ صارخ على اتفاقيات جنيف الأربع، وخاصة المتعلقة بمنع تهجير المواطنين من أراضيهم".
وأوضح نصرالله في حديثه لـ "قدس برس"، أن سلطة الاحتلال، أجرت تعدادًا سكانيا لأهالي الضفة الغربية عام 1967، لحصر الأفراد الفلسطينيين المتواجدين بالضفة الغربية خلال فترة التعداد، وعلى إثرها منحت سلطة الاحتلال الإقامة لمن تم تسجيلهم في التعداد فقط، وحرمت جميع السكان الذي كانوا متواجدين خارج الأراضي المحتلة اثناء إجراء التعداد، وهذا الإجراء يعني "أن من كان خارج الضفة وقت التعداد، لن يستطيع اكتساب حق الإقامة إلا من خلال إجراءات لم الشمل".
ولفت المحامي نصرالله، الانتباه إلى أنه في الوقت الذي تحرم فيه سلطات الاحتلال، الفلسطينيين من حقهم في العودة والإقامة في الضفة الغربية، فإنها أقرت في العام 1952، ما يعرف بـ"قانون المواطنة"، والذي ينص على أن "كل قادم لفلسطين التاريخية، يحصل على الجنسية الإسرائيلية".
وأشار نصرالله، إلى أن هذا القانون يطبق على المهاجرين والمستوطنين والمغتصبين اليهود، ويستثني الشعب الفلسطيني والعائلات الفلسطينية الذين كانوا متواجدين قبل عام 1948 من الاستفادة من هذا القانون ويمنعهم كذلك من حق الإقامة المؤقتة، وهذا "يأتي في سياق منع تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين".
وشدد نصرالله، على أن عودة الشعب الفلسطيني "حق"، وفق ما نصت عليه الشريعة الدولية والاتفاقات، وما تم الاتفاق عليه في اتفاقية أوسلو، مع "التحفظ عليها".
وبيّن نصرالله، أن قانون "لم الشمل" ينتهك حقوق الإنسان الأساسية في المساواة والحرية والخصوصية والحياة العائلية، ويميّز بشكل فاضح ضد الفلسطينيين،وهذا فيه "انتهاك لكل المعاهدات الدولية، وتجريد للفلسطينيين من أبسط حقوقهم".
واستشهد نصرالله، ببعض الإحصائيات التي تشير إلى أن 55 ألف فلسطيني عادوا إلى الضفة الغربية بعد "اتفاق أوسلو"، لكنهم لم يحصلوا على تصاريح الإقامة الدائمة؛ بسبب تعنت ورفض سلطات الاحتلال، مما يزيد من معاناة العائلات الفلسطينية داخل فلسطين، بحيث لا يستطيع الفلسطينيين الذي لا يحمل هوية إقامة صادرة من الاحتلال، الخروج من بيته أو قريته أو مدينة "خوفاً من القبض عليه وترحيله".
وأكد أن اتفاقية جنيف الرابعة وميثاق روما، اعتبر ان التهجير القسري وإبعاد السكان، "من الجرائم المعاقب عليها وفق القانون الدولي الجنائي".
ويتضمن الاتفاق، منح الاحتلال للسلطة الفلسطينية قرضًا بقيمة 500 مليون شيكل، وتراخيص لبناء ألف وحدة سكنية في منطقة (ج)، وزيادة عدد عمال الضفة في "إسرائيل"، والسماح لتجار غزة، بالدخول إلى "إسرائيل"، وزيادة مساحة الصيد البحري لأهل القطاع، وفقا لوسائل إعلام.
المصدر : قدس برس