الأحد 22 ديسمبر 2024 05:23 صـ 20 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    إخوان المشاهير ”عبدالله بن أبي بكر الصدّيق ”

    رابطة علماء أهل السنة

    لم يكن فقط من إخوان المشاهير في الإسلام، بل كان ينتمي إلى أول وأشهر أسرة في تاريخ الإسلام، ولعل شهرة أبيه وإخوته ومكانتهم المتفردة كانت أهم أسباب حجب الأضواء عنه، أو اشتهار ذكره بما يتناسب مع مواقفه وجليل قدره، ولكن كما أسلفنا فإن الشهرة رزق، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

    إنه عبدالله بن أبي بكر ابن صديق هذا الأمة، وأمه قُتيْلةُ بنت عبدالعزى العامرية، فهو شقيق أسماء بنت أبي بكر لأبيها وأمها، وأسلم مبكرا حيث شب في كنف الوحي وحضن النبوة، حيث قلَّ يوم كان يأتي على النبي صلى عليه وسلم إلا يأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار. “حسب رواية البخاري في صحيحه”.

    كذلك ابتنى أبوبكر مسجدا خاصا في فناء داره، يصلي فيه بأسرته ويقرأ لهم القرآن الكريم، ولذا خص الله هذه البيت الكريم بجملة عطايا ومزايا منها أنه لم يحدث لأحد أن حقق شرف صحبة رسول اللهﷺ في أربعة أجيال متتالية إلا آل الصديق، فأبوه أبو قحافة صحابي، وبنته أسماء ذات النطاقين صحابية، وابنها عبدالله بن الزبير أول مولود في المدينة بعد الهجرة صحابي أيضا، ومن عجائب القدر أنه في ظل هذه البيئة الإيمانية والجو المساعد على الإسلام تأخر إسلام عبدالرحمن بن أبي بكر بل شهد غزوة بدر وأحد في صفوف المشركين!
    أسلم عبدالله بن أبي بكر وهو غلام، وبدأ يظهر دوره في خدمة الإسلام مع هجرة رسول اللهﷺ ووالده، وقد دخل وقتها مرحلة الشباب كما تصف أخته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم في حديث الهجرة الذي رواه البخاري “…. ثم لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لَقِن ثَقِف، فيرحل من عندهما سحرا فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسلهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث”.

    وبعد أن بلغ رسول اللهﷺ مأمنه اضطلع عبدالله بن أبي بكر بمهمة كبيرة وهي الخروج بآل أبي بكر للحاق به في المدينة النبوية.

    وبعد الاستقرار شهدت المدينة أشهر قصة حب كان بطلها عبدالله بن أبي بكر حيث تعلق قلبه بفتاة من المهاجرات هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل أحد الحنفاء قبل الإسلام وأخوها سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة وابن عم عمر بن الخطاب وختنه.

    الإسلام لا يكبت المشاعر الطيبة ولكن يرشدها ويحدد لها المسار الصحيح كما بين رسول اللهﷺ فقال: “لم نر للمتحابين مثل النكاح” رواه ابن ماجة.

    وتم الزواج المبارك وزادت الأيام العلاقة متانة، حتى لا حظ أبوبكر انشغال ولده عن بعض الطاعات التي كان يحرز فيها فضل السبق، فقال له: إن زوجتك قد فتنتك فطلقها، فنزل الخبر على نفس عبدالله كالصاعقة، ولكنه امتثل وطلقها طلقة رجعية وهو يقول:

    يقولون طلقها وخَيم مكَانها… مقيما عليها الهمَّ أحلامَ نائمِ

    وإنّ فراقي أهلَ بيتٍ أحبُهم…على كرهٍ مني لإحدى العظائمِ.

    وسمعه أبوبكر يوما يقول:

    أَعَاتِكُ لَا أَنْسَاكِ مَا ذَرَّ شَارِقٌ… وَمَا نَاحَ قَمَرِيُّ الحَمَامِ المُطَـوَّقُ

    أَعَاتِكُ قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ… إِلَيكِ بِمَا تُخْفِي النُّفُوسُ مُعَلَّقُ

    وَلَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ اليَوْمَ مِثْلَهَا… وَلَا مِثْلُهَا فِي غَيْرِ جُرْمٍ تُطَلَّقُ

    لَهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَرَأْيٌ ومَنْصبٌ…وَخَلْقٌ سَوِيٌّ فِي الحَيَاءِ مُصَدّقُ !

    فرق له أبوه، وأمره فراجعها، لكن فرق الموت بينهما باستشهاد عبدالله بن أبي بكر حيث أصيب في حصار الطائف في السنة الثامنة من الهجرة بعدما استعصى على المسلمين الفتح، واشتد عليهم وقع النبل، فقال رسول اللهﷺ : “من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عِدْلُ مُحرَّرٍ، ومن بَلغ بسهم في سبيل الله فله درجة في الجنة” رواه الترمذي.

    وكان عبدالله بن أبي بكر من أرمى الناس، فتقدم مع ثلة من خيرة الصحابة يدافعون عن رسول اللهﷺ ويردون على سهام العدو، حتى أصيب عبدالله بن أبي بكر وحمله أصحابه ورجع إلى المدينة جريحا، وظل يكابد آلام الإصابة وآثارها، حتى حان أجله في خلافة والده وهو في ريعان شبابه، وتوفي في شوال في العام الحادي عشر من الهجرة، وصلى عليه أبوه ونزل قبره عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله وأخوه وعبدالرحمن بن أبي بكر.

    تلقى أبوبكر مصيبة فقد ولده بصبر الثابتين ورضى الصديقين، حتى قالت له ابنته عائشة رضي الله عنهم: “الحمد الذي ربط على قلبك وعزم لك على رشدك” واحتفظ أبوبكر بسهم الشرف الذي نال به ولده الشهادة حتى دارت الأيام دورتها، وجاء وفد ثقيف بعد أن دخلوا في دين الله تعالى، فأخرج لهم أبوبكر السهم وقال : هل يعرف هذا السهم منكم أحد؟ فقال سعيد بن عبيد أخو بني العجلان : هذا سهم أنا بَريتُه ورُشْتُه وعقَّبتُه وأنا رميت به، فقال أبوبكر: فإن هذا السهم الذي قتل عبدالله بن أبي بكر، فالحمد لله الذي أكرمه بيدك ولم يهنك بيده فإنه أوسع لكما.

    إخوان المشاهير عبدالله بن أبي بكر الصدّيق الطائف ثقيف

    مقالات