رئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ: لا أريد أن أبقى يهوديا
رابطة علماء أهل السنةدعا أبراهام بورغ، الرئيس السابق للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) والوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية؛ حكومة إسرائيل إلى عدم اعتباره يهوديا.
وفي مقابلة مع موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي، شرح بورغ -لمحاوره رينيه باكمان- لماذا طلب عدم إدراجه كيهودي في سجل وزارة الداخلية الإسرائيلية، قائلا إنه "لم يعد يشعر بالارتباط بالجنسية اليهودية مع الجماعة اليهودية".
وكان أبراهام بورغ -الذي كتب في النسخة الفرنسية لمقاله "الانتصار على هتلر" عام 2008 "كنت إسرائيليا مثاليا لفترة طويلة"- يجسد في نظر مواطنيه تراث "الأرستقراطية الصهيونية" التي حكمت البلاد منذ نشأتها، حيث كان ابن أحد مؤسسي الحزب الديني القومي، وانتخب عضوا في الكنيست لما يقرب من 40 عاما، وعُين 3 مرات وزيرًا في حكومات من اليمين واليسار.
وانضم بورغ إلى حزب العمل بعد خدمته العسكرية في وحدة المظلات ودراسة العلوم الاجتماعية في الجامعة العبرية في القدس، وعُين مستشارا لرئيس الوزراء شيمون بيريز عام 1985، وفي عام 1995 عُين رئيسا للوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية. وقال في محاضرة عام 2008 إن تسوية الدولتين توشك على الفناء داعيًا، لدولة فدرالية واحدة لشعبين؛ “لأن البلاد لا تتسع لدولتين مستقلتين“، وفق قوله.
عاد بورغ للسياسة البرلمانية عام 1999 رئيسا للكنيست، وأصبح رئيسا مؤقتا لدولة إسرائيل بضعة أسابيع عام 2000، ولكنه قرر التقاعد من الحياة السياسية بعد أن حاول عبثا أن يتم انتخابه رئيسا لحزب العمل. وهو اليوم رغم مساره "كإسرائيلي مثالي" فإنه ينأى بنفسه عن تراثه الصهيوني، مما سبب له مجادلات قاسية وانتقادات حادة من قبل أصدقائه السابقين بدعوى "تطرفه اليساري"، كما يرون.
وفي كتابه "الانتصار على هتلر" الذي صدر بمناسبة مرور 4 عقود على احتلال الأراضي الفلسطينية؛ تبرأ من الهوية الصهيونية، معتبرًا أن تعريف إسرائيل بأنها دولة يهودية يستبطن مفتاح نهايتها، وتطرق بورغ في كتابه لتفشي نظريات العرقية الإسرائيلية، خاصة في أوساط الحاخامات في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، مشيرا إلى استنكاف المجتمع الإسرائيلي عن التنبه للظاهرة الآخذة في النمو "تحت منخاره".
"يهوديتي هويتي"
كتب بورغ في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت عام 2003 "الثورة الصهيونية ماتت"، قبل أن يؤكد أن إسرائيل "الغيتو الصهيوني" تتجه نحو الخراب بتعريف نفسها على أنها دولة يهودية، مشيرا إلى أن الصهيونية كان يجب إلغاؤها بعد قيام دولة إسرائيل، حسب تعبيره.
وقبل بضعة أسابيع، طلب بورغ من محكمة القدس المركزية شطب تسجيله كيهودي في سجل السكان في وزارة الداخلية، "لأنني -كما يقول- لم أعد أشعر بالارتباط بالجنسية اليهودية"، مشيرا إلى أن ما يسمى "إعلان الاستقلال" لعام 1948، وإن لم يكن دستورا مع أنه قريب من ذلك لدى إسرائيل، فيه توازن مثير للاهتمام للغاية".
فهذا الإعلان يقول من جهة إن إسرائيل دولة يهودية ودولة لليهود، ولكنه يقول أيضا إن إسرائيل ملتزمة بحزم بممارسة عدم التمييز بين مواطنيها وبضمان حقوق اجتماعية وسياسية متساوية لجميع سكانها، دون تمييز في الجنس أو العقيدة أو الأصل العرقي أو الرأي السياسي.
وأوضح بورغ أن هذا الموقف قوي للغاية، إذا لم يكن مثاليا، وبالتالي "يمكن لأشخاص مثلي لا يحبون الوضع الحالي أن يقولوا لأنفسهم إن الوضع ليس مثاليا، ولكننا لدينا مكان نعيش فيه لأن المبادئ التأسيسية لعام 1948 جيدة".
ولكن منذ اعتماد قانون الدولة القومية اليهودية في يوليو/تموز 2018، تغير كل شيء -حسب بورغ- لأن ما تعرف به إسرائيل الآن هو "احتكارها على اليهود وحدهم، من دون التوازن الدستوري للحقوق والحريات؛ وبالتالي أصبحت بموجب هذا القانون للمواطن الإسرائيلي غير اليهودي مكانة أدنى، مثل تلك التي كانت لدى اليهود قديما؛ مما يعني أن الوضع الذي كنا نمقته أصبحنا الآن نلحقه بمواطنينا من غير اليهود" حسب تعبيره.
هذا التشريع -كما يقول بورغ- هو في الواقع تعريف جديد لعلاقات الأغلبية والأقلية في إسرائيل، وهو "يشكل تغييرا لتعريفي الوجودي وهويتي، وفي مثل هذه الظروف يمنعني ضميري الآن من الانتماء إلى الجنسية اليهودية، وتصنيفي كعضو في تلك الأمة ينتمي إلى مجموعة السادة، وهو وضع أرفضه. لا أريد أن أنتمي إلى جماعة يحددها المروجون لهذا القانون".
من اليهودي؟
وعند سؤاله: هل تريد ترك الشعب اليهودي؟ أجاب: ما معنى أن تكون يهوديا؟ وهل هي دين أم ثقافة أم هي حضارة؟ وقال إن ما يستطيع أن يعرفه هو يهودية والده ويهودية الشتات التي هي يهوديته هو نفسه، "فإن تكون يهوديا -بالنسبة لنا- يعني الانتماء إلى مجموعة من الناس تم تحديدهم تاريخيا برغبتهم في أن يكونوا متساوين ولكنهم مختلفون. كنا متساوين في جنسيتنا، ونطلب ممن نعيش بينهم الحفاظ على هذا الحق في أن نكون مختلفين لكننا متساوون. وسأضيف أنني عند بدء حياتي السياسية في الثمانينيات تبنيت مبدأين ما زلت ملتزما بهما، وهما فصل الدين عن الدولة وإنهاء الاحتلال".
وأوضح بورغ أن قانون الدولة القومية ينفي كل هذا، ويختفي تعريف الجمعية اليهودية كما هو موجود في إعلان 1948، "حيث نريد أن نكون أغلبية لكننا نحرم الآخرين من أن يكونوا مختلفين ومساوين، وهي طريقة لإعادة تعريف الجماعة اليهودية أرفضها باسم تراثي الفلسفي والأخلاقي، وأقول للدولة اليوم أنا لست من شعبك اليهودي الجديد؛ لذلك أطلب من المحكمة شطب اسمي من السجل الوطني للشعب اليهودي. أنا يهودي تاريخي؛ أؤمن بالمساواة والعالمية والإنسانية وحقوق الأقليات".
وذكّر بورغ بما كتبه عام 2003، وقال إنه قريب من التنبؤ "قلت لرئيس الوزراء ولأولئك الذين ساندوه، إذا كنت تريد كامل أراضي إسرائيل الكبرى، فلا يمكنك في الوقت نفسه أن تطالب بالديمقراطية، فإما هذه أو تلك، ويجب أن تختار". ولكن لسوء الحظ فضل الإسرائيليون الدولة التوراتية على الحقوق الديمقراطية، ونبوءتي تتحقق لأن إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو آخذة في التغير، وهي تنجرف إلى النموذج سيئ السمعة للديمقراطية غير الليبرالية".
قانون شعبوي متطرف
وهذا التطور أحاربه -كما يقول بورغ- و"بما أنني لست ناشطا سياسيا ولا مسؤولا منتخبا، ولكنني مواطن واعٍ للوضع السياسي، فإن هذه المعركة بالنسبة لي فكرية وفلسفية وأخلاقية وشخصية، وما أتحداه هو مفهوم الدولة القومية للشعب اليهودي".
وتابع أنه لا يخشى فقط التمييز ضد المجتمع العربي في إسرائيل، بل "توجيه إسرائيل نحو أساس دستوري مختلف عما يظهر في الإعلان، ولتأسيس الدولة على تفوق مجموعة يتألف جوهرها من مسؤولين دينيين منتخبين" حسب تعبيره.
وعند السؤال عن ماذا سيغير هذا القرار في حياته اليومية؟ أجاب بورغ بأنه لا يغير شيئا، "لكن الأمر يتعلق بهويتي. أريد أن أعيش حياة لا يعرف فيها أحد من أنا. أنا يهودي بروتستانتي"، وذلك يعني "أنني مسؤول مسؤولية كاملة عن تفسير النصوص والالتزامات والوصايا، ولست بحاجة إلى مؤسسة كنسية حاخامية. أنا أنتمي إلى شكل مختلف من اليهودية. يهوديتي هي ثقافتي وروحانيتي، ولا أريد سلطة تحدد هويتي وتفرضها".
وأوضح بورغ لمحاوره أن تمرير قانون يهودية الدولة في الكنيست خطوة سياسية رمزية، اتخذتها العناصر الأكثر تدينا ومحافظة وقومية من السكان الإسرائيليين، وهو دليل على هشاشة وانعدام الثقة بالنفس لدى المدافعين عن هذه الهوية الجديدة.
وأكد بورغ أن هذا القانون نص يميني أصولي متطرف وشعبوي، وأنه جزء من معركة بين إسرائيل الليبرالية وإسرائيل المحافظة، بحسب تعبيره.
مواقف مماثلة
ويعيد موقف بورغ التذكير بمواقف عدد من المثقفين والأكاديميين والنشطاء الذين تركوا إسرائيل مؤخرًا وقرروا الهجرة منها ليختاروا حياة المنفى، بعد أن تعرضوا للمضايقات والإسكات، ولم يعد لديهم من خيار سوى المغادرة وإلى غير رجعة.
وفي تقرير سابق نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تحدثت الكاتبة شاني ليتمان مع بعض هؤلاء المثقفين المهاجرين الذين أسس بعضهم حركات سياسية أو ترأسوا منظمات يسارية وجمعيات حقوقية، قبل أن يُجبَر بعضهم على ترك وظائفهم الأكاديمية بسبب المعتقدات والأنشطة السياسية، بعدما شعروا بأنه لم يعد بإمكانهم التعبير عن آرائهم في إسرائيل من دون خوف، ولم يعد لديهم مكان داخل المجتمع الإسرائيلي.