احتفالات في طرابلس وقوات الوفاق تحاصر ترهونة.. أردوغان يتعهد بزيادة الدعم والسراج يؤكد استمرار المعركة ضد حفتر
رابطة علماء أهل السنةخرجت جموع غفيرة من سكان العاصمة الليبية مساء أمس الخميس إلى الشوارع، للاحتفال بسيطرة قوات حكومة الوفاق على كامل الحدود الإدارية لطرابلس. وقد أعلنت قوات الوفاق أنها توغلت داخل الحدود الإدارية لمدينة ترهونة جنوب شرق طرابلس تمهيدا لاستعادة السيطرة عليها.
ولم تقتصر انتصارات الحكومة الليبية الشرعية على تحرير العاصمة طرابلس، بالرغم من أهمية هذا الحدث، بلوصلت إلى بقية مدن وبلدات المنطقة الغربية وحتى إقليمي فزان في الجنوب وبرقة في الشرق، لتتجاوز حدود البلاد إلى عواصم أخرى.
والسيطرة على مطار طرابلس القديم (خرج من الخدمة في 2014)، الأربعاء الماضي، كان مفتاح الانهيار الشامل لمليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، في كامل محاور القتال المتبقية جنوبي طرابلس، خلال ساعات فقط.
فالمطار القديم الذي يقع ضمن الحدود الإدارية لقصر بن غشير، الضاحية الجنوبية لطرابلس، يمثل مركز التحشيد الرئيسي لمليشيا حفتر خلف جبهات القتال، ونقطة وصول الإمدادات من قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) عبر مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، بل استخدم كمنطقة للقصف المدفعي والصاروخي على مطار معيتيقة الجوي، وسط العاصمة.
وبسقوط المطار القديم انهارت دفاعات مليشيا حفتر بقصر بن غشير خلال ساعات؛ ما دفع بقية عناصرها في محوري عين زارة ووادي الربيع (جنوب شرقي طرابلس)، إلى الفرار بسرعة قبل أن يتم تطويقهم بالكامل دون أمل في النجاة.
وقبل أن ينتصف نهار الخميس، كانت طرابلس خالية تماما من مليشيا حفتر، ليعلن بعدها محمد قنونو، الناطق باسم القوات الحكومية تحرير كامل أرجاء العاصمة.
** سقوط بلدات النواحي الأربعة
أدى سقوط قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس) في 18 مايو/أيار الماضي، إلى تسريع انسحاب مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية من جنوبي طرابلس في 24 مايو، بمعداتهم الثقيلة وخاصة المضادة الجوية وأجهزة التشويش التي منعت القوات الحكومية من استخدام سلاح الطيران المسير في سماء العاصمة.
ورغم إعلان مليشيا حفتر إعادة تموضعها بمسافة تقل عن 3 كلم، لمحاولة ملء فراغ مرتزقة فاغنر خلف خطوط المواجهة، إلا أن ذلك لم يمنع القوات الحكومية من التقدم خلال أسبوع واحد 12 كلم على الأقل جنوبي طرابلس.
وتم تحرير عدة معسكرات استراتيجية مثل التكبالي (10 كلم جنوبي طرابلس) وحمزة (15 كلم جنوبي طرابلس) واليرموك (15 كلم جنوبي طرابلس)، والسيطرة على محاور رئيسية مثل صلاح الدين ومشروع الهضبة وخلة الفرجان.
كانت مليشيا حفتر تقاوم بشراسة وترفض الاستسلام رغم تراجعها المستمر، لكن بعد سقوط المطار القديم، الذي يمثل القلب لأذرعها الممتدة في الأحياء الجنوبية لطرابلس، انتكست تماما وبدأت رحلة الهروب الطويل.
ولم تمهل القوات الحكومية الحشود الهاربة فرصة إعادة تجميع عناصرها، بل طاردتها إلى بلدة سوق السبت (30 كلم جنوب طرابلس)، جنوب المطار القديم، ثم إلى بلدة السبيعة (45 كلم جنوب طرابلس)، ثم بلدة سوق الخميس امسيحل (55 كلم جنوب طرابلس).
ولم تتوقف انتصارات القوات الحكومية عند بلدات النواحي الأربعة، بل واصلت تقدمها إلى غاية تخوم مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس) وحررت منطقة فم ملغة، البوابة الغربية لترهونة.
كما سيطرت القوات الحكومية على مهبط سري للطائرات العمودية والمسيرة وسط حقل لأشجار الزيتون بين سوق الخميس امسيحل وفم ملغة، وهو ما لم يكن معروفا في السابق، إذ كانت الكثير من التساؤلات تطرح حول القواعد التي كانت تنطلق منها تلك الطائرات لقصف مواقع الجيش الليبي، رغم الإعلان عن إخراج قاعدة الوطية الجوية من الخدمة أكثر من مرة قبل تحريرها.
** الشجاعة وحدها لا تحقق النصر
ولم يكن لهذه الانتصارات أن تتحقق لولا الدعم الذي قدمته تركيا للحكومة الليبية، والمتمثل أساسا في تقديم الاستشارات العسكرية، بعد التوقيع على اتفاقية أمنية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
ففي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، حققت مليشيا حفتر مدعومة بالمئات من مرتزقة فاغنر، اختراقات خطيرة نحو قلب طرابلس، وتمكنت من الاستيلاء على حي صلاح الدين الاستراتيجي، ووصلت الاشتباكات إلى داخل حي أبو سليم الشعبي، بل إن مقر قيادة الأركان سقط في أيدي الغزاة الجدد.
لم يكن رجال عملية "بركان الغضب" تنقصهم الشجاعة، لكن افتقادهم لأسلحة نوعية لمواجهة مليشيات برقة وترهونة والمدخليين والقذافيين، المدعومين بمرتزقة فاغنر والجنجويد والمعارضة المسلحة في تشاد والسودان، ومعهم جنود مصريون وطيران إماراتي وتمويل سعودي ودعم لوجستي واستخباراتي فرنسي، وضوء أصفر أمريكي، كل هذه الأمم اجتمعت لدخول طرابلس لكنها لم تفلح.
في أول مرحلة تم تأمين سماء العاصمة من قصف المقاتلات والطائرات المسيرة، ووقف تقدم مليشيا حفتر ومرتزقة فاغنر نحو وسط العاصمة واستعادة عدة مواقع بينها مقر قيادة الأركان مطلع يناير/كانون الثاني 2020.
ومع دخول الهدنة، التي بادرت بها تركيا وروسيا، حيز التنفيذ في 12 يناير، تمكنت القوات الحكومية من إعادة بناء قوتها الجوية رغم خروقات مليشيا حفتر لاتفاق وقف إطلاق النار.
وأمام هذه الخروقات اضطرت القوات الحكومية لإطلاق عملية "عاصفة السلام" في 25 مارس/آذار 2020، والتي أرّخت لبداية انهيار مليشيا الجنرال الانقلابي.
** تداعيات داخلية
أولى تداعيات تحرير العاصمة، إعلان مكونات مدينة الأصابعة (120 كلم جنوب طرابلس) تبعيتها لحكومة الوفاق مجددا، مساء الخميس، بعد 4 أيام فقط من استيلاء مليشيا حفتر عليها بالقوة إثر تحريرها في 21 مايو/أيار الماضي.
فضلا على أن مليشيا حفتر التي كانت تحتشد جنوب مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس) بعد استيلائها على منطقتي غوط الريح والقضامة، أفسدت مخططاتها للسيطرة على عاصمة الجبل الغربي قبل محاولة استعادة قاعدة الوطية.
فحلفاؤهم في الشرق فروا من الجبهات في طرابلس، أما اللواء التاسع ترهونة فهو أحوج للدعم بعد أن يصبح محاصرا داخل مدينته وقد تخلى عنه مقاتلو برقة والمرتزقة الأفارقة.
لذلك ليس من المستبعد أن يعلن مقاتلو الزنتان والرجبان الموالين لحفتر الدخول تحت لواء المصالحة التي دعا إليها قائد المنطقة الغربية في الجيش الليبي أسامة الجويلي (من الزنتان) في بيان نشر الأربعاء، ناشد فيه حكماء المنطقة الغربية أن يُوحدوا كلمتهم، ويخرجوا عن صمتهم، ويطردوا عصابة حفتر المسلحة من مدنهم.
لكن الوضع في المنطقة الشرقية، بيد قبائلها، ومدى قدرة رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، على إزالة حفتر من المشهد بدعم من روسيا ودول داعمة للأخير.
فحفتر يكاد يصبح شخصية منبوذة حتى بين أنصاره وحلفائه بعد هزائمه في طرابلس والمنطقة الغربية، وإذا لم يتمكن عقيلة صالح من تقدير الموقف بشكل صحيح، فقد تضطر الحكومة الشرعية إلى إرسال قوات يقودها ضباط من برقة لتحريرها.
أما إقليم فزان، فعملية تحريره قد تكون سهلة إذا تم تحرير قاعدة الجفرة الجوية (وسط) التي انسحب إليها مرتزقة فاغنر، لكن تحول مدينة سبها، عاصمة الإقليم إلى بؤرة جديدة لفيروس كورونا، قد يجعل الجميع يؤجلون خططهم إلى حين انجلاء هذا الوباء.
** تداعيات دولية
يمثل تحرير طرابلس انتصارا لثورات الربيع العربي على الثورات المضادة، وسيكون لها تأثيرها على الدول المجاور خاصة تونس، التي يشهد برلمانها نقاشا حاد بشأن الموقف الرسمي مما يحدث في ليبيا.
والموقف الروسي الأقرب إلى التغير بعدما تم استقبال نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق ووزير الخارجية محمد الطاهر سيالة، في موسكو وتم التباحث بشأن العلاقات المستقبيلة بين البلدين خاصة ما تعلق بالاستثمارات الروسية في ليبيا بعد استقرار الأوضاع.
وكذلك الموقف الفرنسي، حيث تحدث وزير الخارجية جون إيف لودريان، عن جلب حفتر لمرتزقة سوريين إلى ليبيا، ناهيك عن الرفض الأمريكي لتواجد مرتزقة روس في ليبيا، وإعراب حلف الشمال الأطلسي (الناتو) عن استعداده لدعم الحكومة الشرعية.
وتحرير العاصمة طرابلس سيكرس شرعية حكومة السراج، في المحافل الدولية كممثل رئيسي للشعب الليبي.