الخميس 21 نوفمبر 2024 12:31 مـ 19 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    الصوم في زمن كورونا

    رابطة علماء أهل السنة

    تنتشر هذه الأيام فكرتان مغلوطتان عن علاقة الصوم بالإصابة بفيروس كورونا: إحداهما: أن الحلق الجاف يساعد على الأصابة بهذا الفيروس، والثانية: أن الجوع يؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة ويجعل صاحبه نهبا لهذا الفيروس. وبناء على ذلك فإنه ينبغي النظر في الصوم في زمن انتشار فيروس كورونا!

    من أجل تحليل مصداقية هاتين الفكرتين، ننظر في أمرين: أحدهما: العدوى بفيروس كورونا، والثاني: تفاعل الجسم مع الفيروس ومقاومته له بعد الإصابة.

    أولا: الإصابة بفيروس كورونا

    الثابت أن إصابة الشخص بالفيروس ليس لها علاقة أصلا بجهاز المناعة ولا بحال الحلق؛ لأن الطريق الوحيد لإصابة الشخص بفيروس كورونا هي العدوى.فإذا تعرَّض الشخص لأسباب العدوى فسوف ينتقل إليه الفيروس سواء كان صائما أم كان مفطرا، وسواء كان سليما قوي المناعة أم كان مريضا ضعيف المناعة.

    وإذا اجتنب الشخص أسباب العدوى فلا يصل إليه الفيروس -بإذن الله- حتى لو كان مُنْهَك الجسم طريح الفراش من المرض.

    لقد قتل الفيروس -إلى وقت كتابة هذه الأسطر- أكثر من 146 ألف شخص،وأصاب ما يزيد على المليونين، ولم يكن أحد من أولئك صائما، بل كلهم كانوا مفطرين، وأغلبهم من الدول الغنية التي يأكل أصحابها جيدا!

    الخلاصة: إذا أردت النجاة -بإذن الله- من الإصابة فعليك بتجنب سبب العدوى، وهو الاختلاط بالناس، وعليك بأسباب الوقاية التي ترشد إليها المنظمات الصحية، وليس منها -طبعا- الصوم والإفطار!

    ثانيا: بعد الإصابة بالعدوى

    صحيح أن قوة جهاز المناعة توفر مقاومة قوية للفيروسات، ولكن المعلوم في فيروس كورونا أن من أسباب خطورته ردة الفعل الزائدة من جهاز المناعة التيتؤدي إلى تدمير خلايا حساسة في الرئتين وزيادة المضاعفات!

    ومن الثابت أن تعامل الجسم مع فيروس كورونا يختلف من شخص إلى آخر، وتتحكم فيه عوامل متعددة ليس من السهل التنبؤ بها أو التحكم فيها جميعا. وقد مات من مضاعفات الإصابة بالفيروس أطباء وأشخاص أصحاء في العقد الثالث أو الرابع من أعمارهم، ونجا منه عجائز بعضهم فاقت أعمارهم المائة سنة!

    يُرَوِّجُ البعض لفكرة أن الحلق الجاف يساعد على الإصابة بفيروس كورونا أما الحلق الرطب فإنه يمنع من الإصابة به. وهذا خطأ محض؛ لأن الحلق يكون -عادة-رطبا في حال الإفطار والصيام، فضلا عن أن الفيروس يعيش أصلا في الرطوبة: فهو ينتقل بواسطة الرداد المتطاير من عطاس أو سعال الشخص المصاب، كما أنه يعشش في الرئتين المليئتين بالرطوبة!

    ويبدو أن هذا الوهم مأخود من مقولة -منسوبة إلى طبيب ياباني غير مذكور اسمه- مفادها أن شرب كوب من الماء الدافئ كل 15 دقيقة ينظف الحلق من الفيروس ويمنع الإصابة به.

    نعم، إن شرب المشروبات الساخنة يساعد على تجريف الجراثيم التي تتكاثر في الحلق إلى المعدة، حيث لا يستطيع أغلبها مقاومة العصارة الهاضمة ويموت. ولذلك تكون حال المصاب بالتهاب الحلق في الليل أسوأ، حيث تتكاثر الجراثيم بحرية! ولكن هذا الأمر من باب التخفيف من أضرارها بعد الإصابة بها وليس من باب الوقاية منها!كما يبقى السؤال: هل يمكن للشراب الدافئ أن ينظف الحلق تنظيفا تاما من الجراثيم أم أنه ينقص من كثافتها فقط؟ هذه المسألة تحتاج إلى إثبات علمي.

    وحتى إذا سلَّمنا بصحة هذه الفرضية، فإنه لا يمكن تطبيقها عمليا؛ لأن ذلك يتطلب شرب أكثر من 10 لترات من الماء في النهار فقط، وإذا فعل الشخص ذلك فقد يموت من شرب الماء قبل إصابته بالفيروس!

    ثم ماذا عن الليل: كيف يشرب الماء كل 15 دقيقة؟وإذا انتقلت العدوى إلى الشخص في بداية الليل ثم نام فستكون فترة النوم كافية لتكاثر الفيروس وانتقاله إلى القصبة الهوائية ثم الرئتين!

    علاقة الصوم بجهاز المناعة

    ضعف جهاز المناعة قد يكون وراثيا، وقد يكون مكتسبا. والمكتسب يكون -عادة- بسبب تناول بعض الأدوية، أو شرب الخمر، أو التدخين، أو الإرهاق والتوتر، أو سوء التغذية. انظر:

    https://www.urmc.rochester.edu/encyclopedia/content.aspx?ContentID=123&ContentTypeID=134

    وهناك فرق بين الصوم وبين سوء التغذية، فقد يصوم الشخص على مدار السنة، ولكنه يتناول في الليل وجبات صحية توفر لجسمه جميع الاحتياجات من الفيتامينات والمعادن، وغيرها، ويكون جسمه سليما قوي المناعة، وقد يكون الشخص مُفْطِرا طوال حياته ويأكل كثيرا، ولكن غالب طعامه غير صحي، فيكون مصابا بسوء التغذية!

    ومن الوهم الاعتقاد بأن الصوم يؤثر سلبا في صحة صاحبه؛ فالصوم له فوائد صحية عظيمة أثبتتها البحوث العلمية المعاصرة التي قام بها باحثون متخصصون في مجال الطب والتغذية، وقد لخص الباحث (Kris Gunnars) أهم ما جاء في بعض تلك الأبحاث في ما يأتي: (1) ارتفاع هرمونات النمو بما يصل إلى خمسة أضعاف، وهو الأمر الذي يساعد في حرق الدهون وتقوية العضلات. (2) تحفيز عملية إصلاح خلايا الجسم خاصة تنظيفها من الفضلات. (3) التقليل من الوزن وتنشيط عملية التمثيل الغذائي الضرورية للمحافظة على حياة الخلايا. (4) التقليل من حالة مقاومة الإنسولين، الأمر الذي يساعد على الحماية من النوع الثاني من مرض السكري. (5) تخفيض مستويات الأكسدة والالتهاب في الجسم. (6) تخفيض مستوى ضغط الدم. (7) الخفض من مستوى الدهون الثلاثية التي لا تقل خطورتها على الجسم عن الكوليسترول. (8) حماية الجهاز العصبي بالمحافظة على خلاياه والمساعدة على نمو خلايا جديدة. (9) أظهرت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن الصوم يساعد على الحماية من السرطان. انظر:

    Kris Gunnars, 10 Evidence-Based Health Benefits of Intermittent Fasting. https://www.healthline.com/nutrition/10-health-benefits-of-intermittent-fasting

    وصدق الله عز وجل حين يقول: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 184).

    الخلاصة: أنه لا علاقة بين الصوم وبين الإصابة بفيروس كورونا أو غيره من الفيروسات، وأن الصوم يُقوِّي جسم الإنسان ومناعته. وحتى تتحقق فوائد الصوم على تمامها ينبغي على الصائم أن يلتزم بنظام صحي في النوم والأكل.

    أما المريض بفيروس كورونا فإن حكمه مثل حكم المرضى الآخرين: فإذا كانت الإصابة به خفيفة فإنها لا تمنع صاحبها من الصوم، ويكون حاله كحال المصاب بالأنفلونزا. أما إذا كانت أعراض الإصابة قوية فله رخصة الإفطار مثل أصحاب الأمراض الأخرى المرخِّصة في الإفطار.

    أخي المسلم: هذا شهر رمضان قادم، فاستمتع بالصوم وتلاوة القرآن تقوى مناعتك الروحية والجسدية. واجلس في بيتك إذا لم تكن هناك حاجة للخروج، وإذا احتجت للخروج فكن محتاطا وخُذْ بأسباب الوقاية. وإذا انتهى أجلك فلأن تلقى الله تعالى صائما طائعا خير من أن تلقاه عاصيا معتديا على حرمة رمضان بدون عذر مشروع!

    الصوم في زمن كورونا رمضان الفيروس المرض الإصابة الصيام

    مقالات