المجلس الأوروبي للأئمة يصدر الدليل الشرعي للتعامل مع وباء كورونا
رابطة علماء أهل السنةأصدر المجلس الأوروبي للأئمة، دليلا شرعيا للتعامل مع أزمة الوباء المسمّى ب " فيروس كورونا "، يجيب فيه على كل التساؤلات التي طرأت نتيجة انتشار هذا الوباء.
وقد بيّن المجلس في الدليل، كيفية التعامل مع هذا البلاء، من وجهة نظر شرعيّة، وحكم حضور صلوات الجمعة والجماعات، وأحكام الدخول والخروج من وإلى البلاد الموبوءة، وأحكام غسل الميّت بهذا الوباء، وكل ما يتعلق بأحكام هذه الأزمة.
وكان النص الكامل للدليل كالتالي :
بسم الله الرحمن الرحيم
الدليل الشرعي للتعامل مع انتشار وباء كورونا
يشهد العالم اليوم انتشارا واسعًا لوباء كورونا، شمل كل البلاد الأوربية وبخاصة في إيطاليا حيث اضطرت السلطات إلى فرض العزل الصحي على البلاد كلها، مما فرض على المسلمين في أوربا أسئلة شائكةً وتحديات كبيرةً تحتاج إلى بيانٍ وتوضيح.
- مبادئ عامة فيما يتوجب على المسلمين، مؤسساتٍ وأفرادًا، في البلاد الموبوءة:
- اتباع تعليمات السلطات الرسمية والتقيد بها في إدارةشؤونهم الخاصة وشؤون مؤسساتهم ومساجدهم، وهذا واجب شرعي والتزام وطني.
- التحلي بالصبر والتضحية في مجالات عملهم وخدمة مجتمعهم، وبخاصة العاملين منهم في القطاع الصحي والمجال الخدمي، آملين ثواب الله تعالى، مستحضرين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس " ( حديث حسن - صحيح الجامع ) وقوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن يَألف ويُؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخيرُ الناس أنفعهم للناس" (حديث حسن - صحيح الجامع ).
- تسلح العلماء والباحثين المسلمين بالعزم والمثابرة للمساهمة في إيجاد علاج لهذا الداء، قال صلى الله عليه وسلم: " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء " ( البخاري من حديث أبي هريرة ) .
وفي صحيح مسلم من حديث جابر: " لكل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء برأ بإذن الله ".
وفي مسند أحمد من حديث أسامة بن شريك : " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من
جهله"
- تجنب الإشاعات والأخبار غير الموثوقة، وتقوية الصلة بالله تعالى، وبعث الطمأنينة بين الناس والأمل في الفرج القريب بإذن الله عز وجل، فالأمر إليه أولا وآخراً، والأسباب لا تملك نفعا ولا ضرا إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
- الأخذ بوسائل الوقاية وتحصيل المعلومات العلمية الدقيقة، من غير هلع ولا جزع، وعلى من ابتُلِي بهذا المرض أن يصبر ويحتسب أجره على الله تعالى. فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يكون في بلد يكون فيه، ويمكث فيه لا يخرج من البلد، صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ماكتب الله له، إلاكان له مثل أجر شهيد» (صحيح البخاري)
- حكم حضور الجمعة أو الجماعة لمن شك في إصابته بالمرض؟
يجب على من شك في إصابته بمرض معدٍ أن يتجنب المساجد وسائر الجماعات حتى يتيقن من سلامته. ومن علم أو شك في مرضه وتسبب في مرض غيره بسب إهماله فهو آثم مخالف لشرع الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ضرر ولا ضرار " ) حديث حسن رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما (
فالشريعة الإسلامية نهت عن الضرر والإضرار، فلا يحل لمسلم أن يضر أحداً بقول أو فعل، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أكل بصلا أو ثوما أن يعتزل المسجد حتى لا يؤذي المسلمين بالرائحة فما بالك بمن يؤذيهم بنقل مرض قاتل ونشره بينهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ " ( البخاري ومسلم )
- هل يجوز الخروج من البلاد الموبوءة فراراً ؟
- لا يجوز الخروج من البلد الذي انتشر فيه الوباء فراراً منه، فعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» [متفق عليه]. ويشمل النهي المريض والسليم، وهو متعلق بمقصد الفرار، فإن لم يكن فراراً ولم يخالف القوانين، فلا حرج فيه.
- هل يجوز القدوم على البلاد الموبوءة ؟
لا يجوز الدخول إلى الأرض الموبوءة لدلالة الحديث السابق، وتستثنى من ذلك الضرورة والحاجة المتعلقة بمقاومة الوباء أو بطلب من سلطات رسمية.
- ما هي حدود المكان الموبوء الذي لا يجوز الخروج منه أو الدخول اليه؟
يخضع هذا الأمر إلى تحديد السلطات الرسمية والجهات القائمة على مقاومة الوباء، فإن لم يوجد فيخضع إلى الحدود الجغرافية والعمرانية للمكان، فإن لم يوجد فإلى العرف السائد في البلد.
- هل يجوز تعطيل الجمع والجماعات بسب انتشار الوباء
إن حفظ النفس ووقايتها من الأذى والضرر إحدى كليات الإسلام، ومقصد عام من مقاصد التشريع، لذلك إذا غلب على الظن تضرر المصلين من اجتماعهم في المسجد أو زيادة انتشار الوباء في المدينة الموبوءة فيجوز إلغاء الجمع والجماعات إلى حين انجلاء البلاء وارتفاع الوباء. وقد أصدر مجلس الإفتاء الأوربي بياناَ في ذلك، فليُنظر.
- هل يجوز إلغاء الحج والعمرة بسبب انتشار الوباء:
إذا قرر الأطباء المسلمون أن هناك احتمالات مرتفعة لانتشار الوباء بواسطة تجمع الحج والعمرة فيتعين حينئذ اتخاذ التدابير اللازمة لإلغائها، وتعليقها إلى حين انجلاء هذا الوباء ...
و هذا الإجراء مشروعٌ ، ووجوبه بيِّنٌ، لأن الله تعالى يقول : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كان الوباء - أو الطاعون - في بلد فلا تخرجوا منه ولا تدخلوا إليه ) وكذلك استنادا إلى الأصول والمقاصد العامة للتشريع، فحفظ النفس وحماية المسلمين ودفع مثل هذا الضرر الذي يمكن أن ينتج عن هذا الوباء مقدم على مصلحة اجتماع الناس على شعيرة الحج أو العمرة.
- حكم الحجر الصحي في البيوت أو الأماكن المخصصة لذلك ؟
يقر الإسلام الحجرَ الصحيَّ، بل يجيز للقائمين على مواجهة الأزمات اتخاذَ إجراءات استثنائية إذا غلب على الظن أنها مفيدة في مقاومة الوباء ومحاصرته.
والدليل على ذلك حديث البخاري السابق، وما ورد أيضا عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشأم حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم.... فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، قال أبو عبيدة بن الجراح أفرارا من قدر الله، فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله. قال فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته فقال إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه " قال, فحمد الله عمر ثم انصرف (البخاري- بحذف يسير، ح5397)
وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يورد ممرض على مصح» ( متفق عليه ) قال ابن رجب: والممرض: صاحب الإبل المريضة والمصح: صاحب الإبل الصحيحة، والمراد النهي عن إيراد الإبل المريضة على الصحيحة.
ومن هنا يتبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقر الحجر الصحي، بل أمر به، كقاعدة مهمة في الوقاية من الأوبئة والحد من انتشارها، وهوما توافقت عليه اليوم المنظمات والهيئات الصحية العالمية.
- غسل المُتوفى بوباء كورونا
غسلالميت واجب على من يليه من المسلمين وهو منفروضالكفاية .
ولكن إذا خُشيتضررالغاسلوانتقال العدوى إليه،فإن الغسلمعالدلك يسقط وويصارإلىصبالماءعلىالميتمنغيردلك،وإذا تعذر ذلكانتقلإلىالتيمم . ويرى بعض العلماء الانتقال مباشرة إلى التيمم اذا تعذر الغسل الشرعي.
كما ذهب بعضهم إلى أن الميت إذا تعذر غسله يُصلى عليه من غير تيمم. وربما يكون هذا هو الأنسب لواقع الحال اليوم، إذ الخشية من حصول العدوى لا تنتفي عند التيمم ولا يخفى ما في استعمال الحائل من المشقة والمخاطرة. لذلك، اذا خشي من انتقال العدوى من الميت عند مباشرته بغسل أو غيره فإنه يلف ويصلى عليه من غير غسل ولا تيمم بعد أخذ كل الإجراءات الوقائية اللازمة. قال الله تعالى: " يُرِيدُاللهبِكُمُالْيُسْرَوَلاَيُرِيدُبِكُمُالْعُسْرَ" (البقرة: 185) ،ووقال أيضاً: ( فَاتَّقُوااللهمَااسْتَطَعْتُمْ) (التغابن 16) ،ويقولرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: مانهيتُكمعنهفاجتنبوه،وماأمرتكمبهفَأْتُوامنهمااستطعتم " (رواهالبخاريومسلمٌ)
- منهج الإسلام في التعامل مع الأوبئة والوقاية منها.
تعتبر التشريعات الإسلامية من أكثرالنظم تنظيمًا لاستغلال الثروة الحيوانية، من خلال النهي عن أكل بعض أنواعها ووضع الضوابط الخاصة بالاستفادة من الأصناف المباحة منها. وذلك حرصًا على الصحة العامة والسلامة من الأمراض، ورعاية لمبدإ الرفق بالحيوان والإحسان إليه، مما جعلها سباقة إلى مراعاة سلامة البيئة وحفظ الصحة والاستفادة الحسنة المعتدلة لما خلقه الله تعالى وسخره لبني آدم. وقد صرح القرآن بشكل واضح أن المقصد العام من الضوابط الشرعية في المطعومات والمشروبات إنما هو التزام الطيبات وتجنب الخبائث.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (الأعراف: 157).
وقال أيضاً: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنعام: 145).
وقال أيضاً: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ }. (المائدة: 3 )
وفي أحد التوجيهات النبوية في التعامل مع الأطعمة والأشربة المحفوظة، قال صلى الله عليه وسلم: “غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ”.( صحيح مسلم )
كما أكدت الشريعة الغراء على أهمية طهارة البدن والثوب، والتزام العادات الحسنة المساعدة على حفظ النظافة والتوقي من نشوء الأمراض وانتشارها، بل جعلت ذلك من الدين وارتقت به إلى مصافِّ العبادة، كالغُسل والوضوء وسنن الأكل والشرب ودخول الخلاء وغيرها من العادات اليومية الحسنة.
فمنذ بواكير التشريع الإسلامي نزل أمرالله تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر: 4، 5).
وتعد العلاقات الجنسية المنفلتة مدخلا لكثير من الأمراض والأوبئة، كما أكدت ذلك التجربة والحقائق المشاهدة، كما لها دور أساسي في تفكيك النسيج المجتمعي، لذلك حرص الإسلام على رعاية العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة وتنظيمها ضمن إطار الزوجية، وشدد النكيرعلى الممارسات خارجه وحرم الشذوذ والانحراف.
تعتبر هذه التشريعات منظومة وقائية فعّالة تحفظ على المجتمع أمنه وسلامته، وتساعد على تجنب الآفات والأوبئة، أما عند وقوع الوباء فإن للشريعة الإسلامية منظومة شاملة في التعامل معه تبدأ من التهيئة النفسية وتنتهي بتحفيز الطاقات والأخذ بالأسباب لإيجاد العلاجات المناسبة.
أخيراً
نظرًا لتفاوت الخطورة وتباين مستوى انتشار هذا الفيروس بين الدول الأوربية، فإننا نؤكد لجميع الأئمة والمسؤولين على المساجد والمراكز الإسلامية، وسائر المسلمين، أن الأولوية المطلقة والواجب المتعين هو اتباع التعليمات الصادرة عن الجهات المختصة والسلطات الصحية في كل بلاد، والتعاون معها ودعم جهودها في مواجهة هذا الوباء والحد من آثاره.
فهي الأقدر على تقييم الموقف وتقدير الإجراءات الضرورية للتعامل معه.
والله تعالى ندعو أن يرفع عنا البلاء والوباء، وأن يحفظنا في أوطاننا، ويشفي المرضى ويتغمد من توفي في رحمته الواسعة، إنه سميع مجيب الدعوات.
كمال عمارة
رئيس المجلس الأوربي للأئمة
والله من وراء القصد ،،، 16 رجب 1441 هـ الموافق : 11مارس 2020 م