فلسطين ... سلطة رام الله تساهم مع الاحتلال في تمزيق النسيج الفلسطيني بالداخل
رابطة علماء أهل السنةقال الشيخ كمال الخطيب، إن 29 سنة مضت لم تتغير فيها طبيعة الاستهداف للمسجد الأقصى، "ولكن الذي تغير هو مشاريع التطبيع التي تقوم بها أنظمة عربية استرضاء لأمريكا".
وعبر في حديث خاص مع "قدس برس" عن مخاوفه من أن يتم استغلال أي ظرف غير عادي ليتم إجراء تغييرات في المسجد الأقصى، كما حدث في المسجد الإبراهيمي بالخليل عام 1994 وكما حدث في الأقصى عام 2017 ومشروع البوابات الإلكترونية والذي أفشله المقدسيون.
وأوضح أن "التنسيق الأمني وحالة الفوضى التي تعم البلدان العربية وظاهرة التطبيع ونفاق الرأي العام العالمي هي أهم أسباب التغول الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى".
وأكد الخطيب، أن وعي الشباب الفلسطيني تجاه قضية الأقصى كبير جدًا رغم سياسات التغريب ومحاولة مشاريع الأسرلة والتهويد
وتطرق الخطيب في حديثه لظاهرة تنامي جرائم القتل في المجتمع الفلسطيني في الداخل والسياسات الإسرائيلية التي أدت لذلك والتي تمثلت بإغراق الداخل الفلسطيني بالمخدرات والرذيلة وبالسلاح.
واتهم السلطة الفلسطينية بالمساهمة في تمزيق النسيج الفلسطيني من خلال صفقات السلاح في الوقت الذي تترصد لأي سلاح في الضفة قد يوجه نحو العدو.
وشدد على عدم جدوى وجود أعضاء عرب في الكنيست "لأن كل الأحزاب الإسرائيلية متوافقة على عدم الموافقة على تشكيل أي حكومة تقوم على دعم الأحزاب العربية وأعضاء الكنيست العرب".
وفيما يلي نص المقابلة كاملة:
دعني أبدأ معك من مجزرة الأقصى والتي صادفت ذكراها يوم الثلاثاء الماضي وأود أن أسألك، ألا ترى أن المجزرة مازالت مستمرة إلى الآن ولكن ربما بأشكال أخرى؟ وما حال الأقصى اليوم؟
يوم 8 تشرين الأول الجاري، الذكرى الـ 29 لمجزرة الأقصى التي ارتكبت في العام 1990، اليوم الذي دخل فيه رالف سلمون ضمن مجموعة ما يسمى جماعة أمناء الهيكل ومجموعة من اليهود في محاولة منهم لوضع حجر الأساس لهيكلهم المزعوم الأمر الذي جعل أهلنا في القدس الشريف وفي الداخل الفلسطيني يعلنون النفير للمسجد الأقصى دفاعًا عنه وبدون تردد.
كان الرد الإسرائيلي إطلاق النار وقتل 22 من أبناء شعبنا المرابطين في ساحات الأقصى، كان أحدهم الشهيد عدنان خلف، ابن مدينة طمرة في الجليل، وبذلك تم التلاحم بين أبناء شعبنا في الداخل والقدس وفي الضفة الغربية دفاعًا عن الأقصى.
اللافت أن نفس سياسة المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها من الجمعيات الدينية الاستيطانية ما تزال تمارس إلى الآن، وهذا ما حصل في يوم الذكرى يوم 8 تشرين أول الذي تزامن مع مناسبات الأعياد اليهودية، حيث كان الاقتحام والتدنيس بأعداد غير مسبوقة للمسجد المبارك ولكأن الـ 29 سنة التي مرت لم تغيير في طبيعة الاستهداف للمسجد.
لكن بالمقابل مع الأسف فإن تغيرات قد طرأت عبر ما يجري اليوم في الوطن العربي والإسلامي من إدارة ظهر لقضية المسجد الأقصى عبر مشاريع التطبيع التي تقوم بها أنظمة عربية وخاصة في الخليج العربي في محاولة منها لاسترضاء الولايات المتحدة الأمريكية.
رأينا قطعان المستوطنين ينتهكون حرمة المسجد الإبراهيمي في الخليل بأعداد كبيرة بمناسبة "عيد الغفران"، هل لديكم خشية من تكرار هذا المشهد في المسجد الأقصى يومًا ما في ظل تزايد الانتهاكات الإسرائيلية من اقتحامات وإبعاد واعتقالات؟
طبعًا انتهاك اليهود لحرمة المسجد الإبراهيمي في الخليل كلنا يعلم أنها قديمة بقدم الاحتلال، لكن تم استغلال المجزرة التي ارتكبها باروخ كولدشتاين عام 1994 بحق المصلين في صلاة الفجر ليغلق الإبراهيمي وقتها لينتهي بالترتيبات التي أدت إلى فصل المسجد إلى مكان يصلي فيه اليهود وآخر يصلي فيه المسلمون.
ومع ذلك فإن القسم الخاص بالمسلمين يدخل إليه اليهود في مناسبات كثيرة في السنة، حيث يمنع المسلمون فيها من الدخول بل يمنعون من رفع الأذان لذلك هناك فعلًا تخوف من أن يتم استغلال أي ظرف غير عادي ليتم إجراء تغييرات في المسجد الأقصى وهذا ما رأيناه جميعًا يوم 14/7/2017 وما حصل من تركيب البوابات الإلكترونية على بوابات الأقصى في محاولة لفرض سياسة جديدة لكنها فشلت بسبب انتباه أهلنا ورفضهم القاطع لها عبر الرباط المبارك الذي استمر 14 يومًا وانتهى بإفشال مشروع البوابات الإلكترونية.
ما أريد أن أقوله نعم إنها فرص يسعى الاحتلال لاغتنامها من أجل خلق واقع جديد إما عن طريق التقسيم الزماني أو المكاني للمسجد الأقصى ويصاحب هذا طبعًا مزيدًا من الاعتقالات والملاحقات وأوامر الإبعاد عن الأقصى لكل من يقف أمام هذه المخططات الصهيونية التي تستهدف القبلة الأولى.
إلى أي مدى يمكن الاحتلال أن يسرع من وتيرة انتهاكاته في القدس والمسجد الأقصى؟ وما أسباب والظروف التي ساهمت في هذا التغول الإسرائيلي؟
الإسراع في وتيرة الانتهاكات للمسجد الأقصى الحقيقة أنها ترجع إلى ثلاثة أسباب؛ الأول فهو مع الأسف التنسيق الأمني الذي تجريه سلطة رام الله مع المؤسسة الإسرائيلية عبر التضييق حتى على المرابطين في المسجد ولو لم يكن الأمر كذلك لما استطاعت المؤسسة الإسرائيلية أن تزج بالمئات من شباب القدس قبيل أي حدث يشتم من خلاله خلق واقع جديد في الأقصى.. ليس ذلك فحسب بل إن هذا التنسيق الأمني إلى درجة أن يتم منع أهلنا في الخليل وفي رام الله وفي نابلس من الخروج في مظاهرات نصرة للقدس والمسجد الأقصى وهذا طبعًا يتأتى عبر حضور مكثف للأجهزة الأمنية الفلسطينية لمنع أي نشاط وحينما تصمت المدن القريبة تصمت نابلس والخليل وجنين ورام الله عن نصرة القدس فكيف للقدس إذًا أن تنتصر لها الجزائر أو تونس أو عمان أو القاهرة.
السبب الثاني هو حالة الفوضى التي تعم الوطن العربي حيث الأنظمة قمعية ودكتاتورية، حيث تقوم بملاحقة الشعوب وخنق أنفاسها واستمرار التسلط عليها، الأمر الذي يجعل أولويات الشعوب تختلف ما بين أولوياتها في الدفاع عن نفسها من الأنظمة القمعية وبين أن تسعى أن تتماثل مع عواطفها في نصرة القدس والمسجد الأقصى، فتجد أن الأولوية بالنسبة لها تكمن في الدفاع عن نفسها من الأنظمة والسعي للخلاص منها.
هذا الظرف لا شك أن المؤسسة الإسرائيلية تغتنمه أيما اغتنام وتستغله بشكل غير مسبوق في فرض سياسات على أرض الواقع في المسجد الأقصى.
ومن مظاهر حالة الفوضى أيضًا التطبيع الذي نشهده والمسارعة في التواصل بين أنظمة خليجية وبين المؤسسة الصهيونية ورأينا ذلك من خلال زيارة يسرائيل كاتس رئيس وزارة الخارجية الإسرائيلي للإمارات وقبله الوزيرة ميري ريغيف والتقاط صور في مسجد الشيخ زايد في الإمارات ثم زيارة الوفد الإسرائيلي للبحرين وهناك أقاموا طقوسًا دينية ثم الوفد الرياضي الإسرائيلي الذي زار الدوحة وأجرى هناك مباريات رياضية ثم الإعلاميين السعوديين الذين زاروا تل أبيب والقدس ثم زاروا المسجد الأقصى في محاولة لتهيئة الظروف لتقبل الروايات التي تصدر عن إعلاميين سعوديين بالتشكيك بقدسية الأقصى وأنه ليس هو المقصود في القرآن الكريم في سورة الإسراء ويدعون أن أحد مساجد أوغندا أكثر قدسية من المسجد الأقصى.
أما السبب الثالث فهو في تسريع وتيرة الانتهاكات فهو الرأي العام العالمي الموغل في النفاق والكذب مع الأسف في ظل انحيازه للسياسة الأمريكية التي تعلن بشك واضح أنها داعمة بشكل غير مسبوق للسياسة الإسرائيلية الأمر الذي يجعل حكومة نتنياهو تتمادى في سياساتها وهي مطمئنة إلى وجود راعٍ أمريكي داعم بلا تحفظ لسياساتها بحق المسجد الأقصى خصوصا والقضية الفلسطينية بشكل عام.
كيف تقيّمون وعي الشباب الفلسطيني في الداخل تجاه قضية الأقصى اليوم في ظل سياسات التغريب التي يمارسها الاحتلال وكيف تتصدون لهذه السياسات كحركة إسلامية؟
وعي الشباب الفلسطيني تجاه قضية الأقصى كبير جدًا رغم سياسات التغريب ومحاولة مشاريع الأسرلة والتهويد، إلا أنها أبدًا لن تتغير إن شاء الله، شعبنا وشبابنا عازمون وما زالوا يتواصلون مع المسجد الأقصى وإن كان عبر الزيارات اليومية أو الذهاب لأداء صلاة الفجر في كل يوم وخاصة أيام الجمعة أو عبر التواجد هناك في الأيام التي يتم فيها الإعلان عن اقتحامات للمسجد الأقصى.
لا شك أن حظر الحركة الإسلامية كان له تأثيره الواضح بعد إغلاق المؤسسات التي كانت تقوم على رعاية القدس والمسجد الأقصى، لكن بالمبادرات الفردية والشعبية العامة هذا المشروع لم يتوقف ولله الحمد بل على العكس زادت وتيرته في ظل شعور أبناء شعبنا بأنهم يستمرون بأداء الدور الذي كانت تقوم به الحركة الإسلامية، لأن علاقتها مع الأقصى تجاوز العلاقة التنظيمية من خلال الحركة الإسلامية لتصبح فعلًا علاقة يومية علاقة حب علاقة تعبد علاقة وفاء للمسجد الأقصى.
بالحديث عن فلسطينيي الداخل أنتقل معك إلى موضوع تنامي ظاهرة جرائم القتل، ماهي السياسات التي يتبعها الاحتلال من أجل إغراق فلسطينيي الداخل بدمائهم؟ وما السبيل لوقف هذا النزيف؟
لا شك أن المؤسسة الإسرائيلية تحديدًا بعد العام 2000 وبعد انتفاضة القدس والأقصى التي حصلت يوم 28/9/2000 وتلاحم أبناء الداخل الفلسطيني مع أهلهم في القدس والضفة الغربية وتقديمهم ريبة الوفاء عبر 13 شهيدًا ارتقوا من أبناء الداخل الفلسطيني وبذلك أثبت شعبنا أنه كان عصيًا يومها بعد 52 سنة من النكبة على مشاريع الأسرلة والتهويد ومسخ الهوية الأمر الذي جعل المؤسسة الإسرائيلية تذهب باتجاه سياسة جديدة غير معلنة تمثلت بإغراق الداخل الفلسطيني بالمخدرات والرذيلة وأيضًا إغراقه بالسلاح.
كل ذلك من أجل أن يكون هذا السلاح وسيلة لدس الفتن وإرباك الداخل الفلسطيني وتمزيق نسيجه الاجتماعي وفعلًا كان لهذه السياسات أثارها حيث قتل من العام 2000 وحتى اليوم 1386 ضحية من أبناء شعبنا نتيجة تسب السلاح الذي أكد وزير الأمن الداخلي جلعاد إردان على أن 70% منه هو من مستودعات الجيش الإسرائيلي.
هذا لم يكن وليد الصدفة ولا وليد الإهمال وإنما هي سياسات مدروسة لتكون الـ 30% المتبقية من السلاح الذي يعبث بالداخل الفلسطيني هو مما وصل إلى الداخل الفلسطيني للأسف من أراضي السلطة الفلسطينية.
السلطة الفلسطينية التي نراها حريصة على متابعة أي سلاح يمكن أن يوجه للاحتلال وتضبطه تحت مسميات التنسيق الأمني، بينما تغض الطرف إما لأدوار خيانية من بعض الضباط والقادة أو من أجل منافع مادية مع الأسف لإغراق الداخل الفلسطيني بسلاح مصنع في ورشات بالضفة الغربية لذلك قلنا ونؤكد على ذلك أنه ليس فقط السلطة الإسرائيلية تساهم في تمزيق نسيج شعبنا في الداخل وإنما السلطة الفلسطينية في رام الله الأمر الذي يجعلنا مستهدفين من هذين الجانبين.
كيف تقيم الوضع الفلسطيني الشعبي والسياسي في الداخل خاصة بعد الجدل الذي أثاره المشاركة العربية في انتخابات الكنيست الماضية؟
نحن لا نتردد في التأكيد على موقفنا الواضح وغير المتلعثم من عدم جدوى وجود تمثيل فلسطيني في الكنيست الصهيوني. الكنيست الذي آمنا أنه وجد من أجل أن يكون مركز تشريع القوانين خدمة للإنسان اليهودي وليس الفلسطيني حتى اسمه "الكنيست" اسم ديني معناه مجمع التشريع اليهودي وكان عدده يومها 120 كان يلتقي فيه كبار الحاخامات اليهود لإصدارالقوانين والنظم التي تضبط المجتمعات الإسرائيلية التي كانت سابقًا.
مع الأسف أنه تم الإيقاع بشريحة من أبناء شعبنا عبر إقناعهم أنه من خلال الكنيست يمكن التأثير الأمر الذي جعل فعلًا من هؤلاء من خلال أحزاب شاركت في انتخابات الكنيسيت منذ العام 1949 كما هو الحال في الحزب الشيوعي لكن سبقه أحزاب قومية ووطنية وحتى حركات دينية ترفع شعار الانتماء للهوية والمشروع الإسلامي الأمر الذي أربك الساحة الفلسطينية.
لكن ما حصل حتى في هذه الانتخابات ورغم تحصيل 13 مقعدًا إلا أن هناك إجماع من حزب الليكود ومن الحزب المنافس "أزرق أبيض" الذي هو حزب الجنرالات بعدم الموافقة على تشكيل أي حكومة تقوم على دعم الأحزاب العربية وأعضاء الكنيست العرب. الأمر الذي يؤكد أن هؤلاء لا يمكن أن يقبلوا بحال من الأحوال على وجود ثقل وتأثير لأعضاء الكنيست العرب على أي مسيرة لحكومة إسرائيلية.
ستبقى الأحزاب العربية فقط وردة تزين هذا المكان الذي يسمى الكنيست، لا بل تعمد المؤسسة الإسرائيلية دائمًا لاستمرار الحديث عن أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط عبر وجود أعضاء عرب في الكنيست الصهيوني وهو الذي فاخر به نتنياهو عام 2017 خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لذلك نؤكد أن لا فائدة من وجود تمثيل عربي في الكنيست، إنما المستفيد الأول والأخير هي المؤسسة الإسرائيلية.
المصدر : قدس برس