الإثنين 23 ديسمبر 2024 04:25 مـ 21 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    أين آثار النبيّ يا مكّة المكّرمة؟!‏

    رابطة علماء أهل السنة

    أينَ هو بيتُ أمّنا خديجة رضي الله عنها؛ حيث زمّلته ودثّرته وحيثُما كان يتنزّل ‏الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟!‏
    تأتيكَ الإجابةُ كالصّاعقة: هو "دورة المياه" العامّة تلك. ‏

    هناكَ في مكّةَ المكرّمة حيثُ تلقي بنفسكَ في بحرٍ من القداسةِ لا ساحل لمنتهاه، ‏تشدّك الذّكرى والحنينُ إلى المواقع والمنازل التي عاش فيها النبيّ صلّى الله عليه ‏وسلّم؛ وتجول ببصركَ باحثًا عن تلكم المواقع والآثار النبويّة وآثار الصّحابة فيرتدّ ‏إليك البصرُ حسيرًا كسيرًا.‏

    فإن سألت عن البيت الذي ولد فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستجده قد ‏أزيلَ تمامًا وتحوّل إلى محلّ للجزارة وتجارة اللحوم ليتطوّر بعد ذلكَ إلى مكتبة ‏عامّة.‏

    أمّا بيت أبي أبكر الصّدّيق رضي الله عنه فقد تمّت إزالته تمامًا هو الآخر لينتصب ‏مكانه فندق "مكّة هيلتون"‏

    وأمّا بيت عثمان بن عفّان رضي الله عنه فقد تمّ تجريفه تمامًا لترتفع مكانه ‏عمارتان من خمسين طابقًا لتأجيرها للحجّاج. ‏

    أمّا بيت الأرقم بن أبي الأرقم؛ مقرّ الدّعوة الأوّل، ومركزها الذي أسلم فيه عمر ‏بن الخطّاب رضي الله عنه فقد تمّ هدمه في عهد الملك سعود بن عبد العزيز عام ‏‏1955م

    وكذلك بيت بلال بن رباح بقي صامدًا إلى سبعينيّات القرن الماضي لتناله الإزالة ‏والتجريف تحت عنوان التوسعة.‏

    وكانت مجزرة التجريف الأكبر هي التي طالت أكثر من أربعمئة مبنى أثريّ يعود ‏إلى عصر النبوّة وصولًا إلى العصر العثمانيّ ليتمّ تشييد برج الساعة على جثث ‏هذه المباني والمواقع الأثريّة؛ فكرمى عيون ساعة مكّة تهون الآثار ويهون التّاريخ ‏وتهون ذكرى النبوّة.‏

    لكَ أن تتخيّل أن عمليّات التّجريف والإزالة لكلّ الآثار النبويّة وآثار الصّحابة ‏قد تمّت بعد استلام آل سعود سدّة الحكم في المملكة.‏
    ومن أجل تبريرها فقد تصدّرت المؤسسة الدينيّة في السّعوديّة كِبرَ هذا الموضوع ‏وألبسته ثوب الدّفاع عن الإسلام، ومحاربة الشّرك، وصيانة النّاس عن بدعة التبرّك ‏بالآثار النبويّة، وأصدرت لذلك الفتاوى والكتب!!‏

    إنَّ محو الآثار النبويّة وآثار الصّحابة في مكّة المكّرمة لتحلّ محلّها الأبراج الشّاهقة ‏والقصور الملكيّة التي تخنق المسجد الحرام من كلّ اتّجاه ليس مجرّد جريمةٍ بحقّ هذه ‏الآثار فقط، بل هو محو لهويّة مكّة المكرّمة وتحويلها إلى نمطٍ حداثيّ مفرّغ من ‏روح القداسة.‏

    كما أنَّ هذا المحو الممنهج والمخطط له قد ساهم في إفراغ الحجّ من كثيرٍ من ‏مقاصده القائمة على تحقيق المساواة تعايشًا عمليًّا، وانتفاء الطبقات وارتباط ‏المسلمين بهويّتهم وإشباع روحهم وهم يعيشون على خطى النبيّ صلّى الله عليه ‏وسلّم وأصحابه الكرام في المدينة الأقدس على وجه الأرض.‏

    وممّا ينبغي ملاحظته في هذا الإطار بأنَّ سياسة الهدم ومحو الآثار طالت فقط ‏آثار النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الكرام وصولًا إلى الآثار العثمانيّة؛ ‏بينما حافظت السلطات السعوديّة بكلّ أمانة وحرص على الآثار اليهوديّة في ‏المملكة.‏

    ففي الوقت الذي يتمّ تحويل بيت خديجة رضي إلى عنها إلى دورات مياه عامّة، ‏وتمحى بيوت أزواج النبيّ وأصحابه تلقى آثار اليهود في خيبر وحصونهم عناية ‏فائقة، فهي محروسةٌ يمنع التعرّض لها ويتمّ الاعتناء بها ترميمًا وصيانة على الدّوام!‏

    وأمام حصن كعب بن الأشرف أحدّ أشدّ أعداء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ترتفع ‏عبارة "تحذير؛ منطقة آثار: يحظر التعدي عليها تحت طائلة العقوبات الواردة ‏بنظام الآثار بالمرسوم الملكي رقم و/26 وتاريخ 12/6/1392ه"!!‏

    إنّ "الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر" الذي محيت آثار النبوّة تحت ستاره ‏بالباطل؛ هو ذاته المبدأ الذي ينبغي رفعه بالحقّ رفضًا وإنكارًا لهذا التشويه المتعمّد ‏لمكّة المكرّمة؛ فإنَّ محو وتدمير الآثار النبويّة من أقبح المنكرات التي تستهدف ‏هويّة مكّة المكرّمة وتاريخ الأمّة كلّها، وهو اعتداء على ميراث النبوّة والصّحابة؛ ‏فأينَ هم الآمرون بالمعروف والنّاهون عن هذا المنكر؟! ‏

    آثار النبيّ مكّة المكّرمة خديجة أبوبكر عمر

    مقالات