السيسي وشيخ الأزهر.. مبارزة جديدة على الهواء مباشرة
رابطة علماء أهل السنة
بشكل لافت وعلى الهواء مباشرة، تابع المصريون مبارزة كلامية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهرأحمد الطيب، في جولة جديدة من جولات الخلاف بين الرجلين، وكان الموضوع هذه المرة هي السنة النبوية التي انحاز لها الطيب بينما بدا أن السيسي يفتح الباب أمام مناقشتها بدعوى التجديد.
فخلال احتفالات المولد النبوي الشريف أمس الاثنين، هاجم شيخ الأزهر أحمد الطيب ما وصفها بـ"الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها والطعن في رواتها"، كما هاجم الدعوات "المطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام والاعتماد على القرآن الكريم فحسب".
وتنتشر بين الحين والآخر دعوات عبر وسائل الإعلام المصرية تُشكك في السنة النبوية، وتطالب بالاكتفاء بالقرآن الكريم كمصدر للعبادات والمعاملات.
وأوضح الطيب أن هذه الدعوة ظهرت في الهند منذ نهاية القرن التاسع عشر، وشاركت فيها شخصيات شهيرة هناك، منهم من انتهى به الأمر إلى ادعاء النبوة، ومنهم من كان ولاؤه للاستعمار، ومنهم من أداه اجتهاد إلى إنكار الأحاديث النبوية، ما كان منها متواترا وغير متواتر.
واستخدم شيخ الأزهر أسلوبا لاذعا عندما عرض قصة أحد منكري السنة الذي سئل عن كيفية إقامة الصلاة طالما أن القرآن لم يأت على تفصيل ذلك، فقال إن "كيفية أداء الصلاة أمر متروك لرئيس الدولة ويحدده بمشورة مستشاريه حسب الزمان والمكان".
واختتم شيخ الأزهر كلمته بقوله: أتساءل تساؤل تعجب ودهشة بالغة، من أنبأ هذا النبي الكريم بأن ناسا ممن ينتسبون إليه سيخرجون بعد أكثر من 13 قرنا من الزمان، ينادون باستبعاد سنته والاكتفاء عنها بالقرآن ليحذرنا من صنيعهم قبل أن يخلقوا بقرون عدة، وذلك في حديث صحيح "يوشك رجل منكم متكئا على أريكته يحدث بحديث عني فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه".
رد السيسي
ويبدو أن خطاب شيخ الأزهر أثار حفيظة السيسي الذي أنهى كلمته المكتوبة، ثم اشتبك مع ما ذكره أحمد الطيب بشكل مباشر، مؤكدا أن خطاب شيخ الأزهر دفعه للحديث خارج السياق قليلا، مضيفا: "أرجو ألا يفهم أحد كلامي على أنه إساءة إلى أي أحد".
وتابع السيسي: "الإشكالية في عالمنا الإسلامي حاليا ليست في اتباع السنة النبوية من عدمها، فهذه أقوال بعض الناس، لكن المشكلة هي القراءة الخاطئة لأصول ديننا، وهذه المرة الرابعة أو الخامسة التي أتحدث فيها معكم، كإنسان مسلم وليس كحاكم".
وتساءل السيسي: "من أساء إلى الإسلام أكثر: الدعوة إلى ترك السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن فقط، أم الفهم الخاطئ والتطرف الشديد؟ ما هي سمعة المسلمين في العالم الآن؟".
وكان لافتا أن من بين من كتبوا للإشادة بموقف شيخ الأزهر، علاء مبارك نجل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، حيث وصفت كلمات الإمام الأكبر بأنها "قوية تؤكد ما أجمع عليه المسلمون من ضرورة بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبا إلى جنب وإلا ضاع ثلاثة أرباع القرآن".
السنة النبوية الشريفة تبين كل أمر لم يرد في القرآن الكريم وهذا لا خلاف عليه. استمعت الي كلمة فضيلة شيخ الأزهر رداً علي الذين يريدون سلخ القرآن عن السنة فجاءت كلماته قوية تؤكد بما أجمع عليه المسلمون من ضرورة بقاء السنة الي جوار القرآن جنباً الي جنب وإلا ضاع ثلاثة أرباع القرآن .
خلاف قديم متجدد
وما وصفه البعض بالمبارزة الكلامية بين السيسي وشيخ الأزهر لم يكن وليد اليوم، بل اعتبره البعض تعبيرا عن الخلاف المكتوم بين الرجلين، والذي يظهر في العلن بين الحين والآخر.
السيسي منذ توليه السلطة عام 2014 لا يترك مناسبة دينية إلا تحدث فيها عن ضرورة "تجديد الخطاب الديني"، وهو يحمّل الأزهر والعلماء مسؤولية هذا التجديد، دون أن يوضح ماذا يقصد بالتجديد. فيما يرى البعض أنها مجرد غطاء لمهاجمة الجماعات الإسلامية التي تمثل تهديدا سياسيا للسيسي.
بينما يرى آخرون ذلك استجابة لأفكار اليمين الغربي -خاصة الأميركي- التي تدعو لتفريغ الإسلام من مضمونه السياسي، خصوصا ما يتعلق بنصوص الجهاد، وهي الأفكار التي تلقى رواجا إقليميا منذ سنوات وخُصصت لها مراكز أبحاث برعاية ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الداعم الرئيسي للسيسي، وهو ما استجاب له أيضا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وفي مطلع يناير/كانون الثاني 2015، أطلق السيسي دعوته الشهيرة التي أثارت ضجة كبيرة، حيث دعا إلى ثورة تجديد دينية للتخلص من "أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون وباتت مصدر قلق للعالم كله"، وأضاف: "لا يمكن أن يَقتل 1.6 مليار (مسلم) الدنيا كلَّها التي يعيش فيها سبعة مليارات حتى يتمكنوا هم من العيش".
دعوة السيسي تلقفتها نخب ثقافية وإعلامية بترحيب شديد، واستغلتها لشن حملة شرسة ضد التراث الإسلامي، وهو ما دفع الأزهر للرد في أكثر من مناسبة. ودفع هذا الجدل الكبير السيسي إلى التراجع بدعوى أن البعض فهم كلامه بالخطأ. ثم هدأت الحملة مؤقتا بعد سجن الكاتب "إسلام البحيري" لمدة عام بتهمة ازدراء الإسلام، وهو الذي كان قد اشتهر بمقالاته وحلقاته التلفزيونية التي هاجم فيها التراث الإسلامي.
وفي 24 يناير/كانون الثاني 2017، خاطب السيسي شيخ الأزهر بشكل ساخر على الهواء مباشرة، بقوله: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وذلك على خلفية رفض الأزهر رسميا مقترحات السيسي بعدم الاعتراف بالطلاق الشفوي، وهي الدعوة التي قال السيسي إنها تهدف إلى الحد من ظاهرة الطلاق المنتشرة في مصر.
إثر هذه "المداعبة" انطقت حملة إعلامية ضد الأزهر، ركز بعضها على شخص أحمد الطيب، فيما تحدث آخرون عن مناهج الأزهر ووصفوها بـ"المتطرفة"، وانتقد البعض الآخر "تخاذل الأزهر" في مواجهة الإرهاب، بحسب وصفهم.
وفي إبريل/نيسان من العام نفسه، تقدم النائب المثير للجدل محمد أبو حماد بمشروع قانون إلى مجلس النواب، مدعوما بتأييد نحو مئتي نائب، تضن تعديلات جوهرية على قانون الأزهر.
وبالطبع كانت أبرز هذه التعديلات تتعلق بتحديد مدة ولاية شيخ الأزهر وطريقة اختياره، وضم غير الأزهريين إلى هيئة كبار العلماء -أعلى سلطة في الأزهر- وفصل جامعة الأزهر عن المشيخة، وفصل المعاهد الأزهرية عن المشيخة وإلحاقها بجامعة الأزهر.
وأثار القانون ضجة كبيرة وجدلا واسعا، باعتباره "هدما" للأزهر وليس تطويرا له، وهو ما دفع السلطات إلى تجميد القانون. وقال علي عبد العال رئيس البرلمان إن قانون الأزهر "صفحة وطويت"، إلا أن النائب محمد أبو حامد -عضو الأغلبية المقرب من الأجهزة الأمنية- يعيد طرح القانون بين الحين والآخر، ويؤكد أنه سيطرح التعديلات خلال دورة الانعقاد الحالية.
فتش عن رابعة
ورغم وضوح الخلاف المتجدد بين السيسي وشيخ الأزهر حول ما يُوصف بـ"تجديد الخطاب الديني"، فإن البعض يرى أن جذور الأزمة تعود إلى أسباب سياسية، وتحديدا إلى يوم فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس/آب 2013، والذي راح ضحيته المئات من أنصار الرئيس الشرعي محمد مرسي.
فعلى العكس من كل مؤسسات الدولة؛ استنكر شيخ الأزهر فض الاعتصام بالقوة، وأعلن يومها أنه لم يعلم بقرار الفض إلا عبر وسائل الإعلام.
ورغم مشاركته في بيان انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 الذي قاده السيسي عندما كان وزيرا للدفاع، وتأييده لخارطة الطريق؛ أصدر الطيب بيانا صوتيا -أذاعه التلفزيون المصري مرة واحدة- تحدث فيه عن حرمة الدماء، داعيا جميع الأطراف لضبط النفس، ومؤكدا أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لحل الأزمة، وترحم على الضحايا معزيا أسرهم.