«بوليتيكو»: لماذا تُقدم إسرائيل الغذاء والرعاية الصحية المجانية للسوريين؟
رابطة علماء أهل السنةفي ظل تفاقم الأوضاع الصحية والإنسانية في سوريا مع اقتراب الصراع في سوريا من دخول عامه الثامن، نشرت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية تقريرًا يكشف استغلال إسرائيل لمعاناة السوريين من أجل تحقيق أهدافها وترسيخ وجودها في المنطقة العربية.
متى بدأت سياسة «حسن الجوار»؟
يقول الصحافي نيري زيلبر، كاتب التقرير المقيم بتل أبيب والباحث في معهد سياسة الشرق الأدنى: في منتصف إحدى ليالي الشتاء البارد لعام 2013، جرّ سبعة مواطنين سوريين أجسادهم المثخنة بالجراح فوق مرتفعات الجولان بحثًا عن المساعدة حتى وصلوا إلى الجدار الحدودي الفاصل بين سوريا وإسرائيل. ولو لم تقرر إسرائيل استقبالهم وعلاجهم – بعد نقاشات ومشاورات وصلت إلى أعلى المستويات القيادية في الجيش والحكومة – لأصبحوا في عداد الموتى.
وما بدأ على أنه حدث منعزل، توسع على مدار السنوات الأربع التالية ليصبح عملية ضخمة للجيش الإسرائيلي من أجل توفير المساعدات الطبية والإنسانية، والغذاء، والبنية التحتية الأساسية لآلاف السوريين عبر الحدود. ويدرك جنود الجيش الإسرائيلي الغاية من هذه العطايا والمسماة بسياسة «حسن الجوار»: وهي مساعدة السوريين اليائسين الذين أنهكتهم سنوات الحرب الأهلية، وبالتالي الحفاظ على استقرار المنطقة الحدودية عن طريق محاولة إظهار أنفسهم لأولئك الناس الذين كانوا يعادون إسرائيل من قبل، على أنها ليست الشيطان كما كانوا يعتقدون.
وبحسب التقرير، فمنذ تَبَنّي سياسة «حسن الجوار» في يونيو (حزيران) من عام 2016، توغلت القوات الإسرائيلية وتوسعت في الأراضي السورية، فوِفقًا للأرقام الرسمية، نفّذ الجيش الإسرائيلي أكثر من 200 عملية إغاثة إنسانية، منها 44 عملية في الشهر الماضي سبتمبر (أيلول) فحسب. ففي كل ليلة، تنشط قوات الدفاع الإسرائيلية في نقاط عديدة على طول الحدود السورية متفاعلةً مع السكان المحليين على الجانب الآخر.
كما تشير آخر التطورات إلى إنشاء عيادة طبية خلف الجدار الحدودي شديد التحصين، في منطقة تابعة لإسرائيل قانونًا إلا أنها تبدو كجزء من سوريا. ومع ذلك، لا يدير الجيش الإسرائيلي العيادة الطبية لكنه يقوم على حمايتها من على بعد فقط، فقد أرسلت منظمة خيرية أمريكية غير حكومية غير معروفة نسبيًّا متطوعين لبناء العيادة الطبية، وطاقم عمل طبيًا لإدارتها؛ ويرى زيلبر أنّ جميع المواطنين الأمريكيين والمسيحيين المخلصين يؤمنون بأنهم يمتثلون لأوامر ربهم حينما يساعدون إسرائيل في تحسين صورتها عن طريق المساعدات التي تقدمها للسوريين على حدود منطقة تُعَدُّ أقرب ما يكون للجحيم على الأرض.
«ربما يكون جارك أقرب إليك من أخيك»
هكذا كُتب باللغة العربية على العلامة الزرقاء المُلصَقة على العربات النقّالة لصناديق السباغيتي الجافة – يصف التقرير – يتبعها اقتباس من الحديث (الشريف): «خيرُ الأصحابِ عِندَ الله خيرُهُم لصاحِبه، وخيرُ الجيرانِ عِند الله خيرُهُم لجاره».
يستطرد الكاتب في وصف المشهد قائلًا: «تملأ السباغيتي إحدى حاويات الشحن المعدنية، وعلى جانبي حاوية السباغيتي توجد حاويات أخرى ممتلئة بصناديق تحتوي على حليبٍ وحفاضاتٍ للأطفال، وملابس وأغطية للتدفئة، ولوازم مدرسية، وصفائح مليئة بالوقود. كان هذا مركز إدارة عمليات «حسن الجوار» الواقع داخل مقر إدارة الجيش الإسرائيلي فوق مرتفعات الجولان، التي غزاها الجيش الإسرائيلي وضمَّها لإسرائيل بعد حرب عام 1967 (ولا يزال المجتمع الدولي يعُدُّها منطقة محتلة). وقريبًا ستنقُل الشاحناتُ المساعداتِ لبضعة كيلومترات عبر الحدود لكي تُوزَّع على السوريين.
وبحسب التقرير، يبدو بوضوح من شعار الوحدة العسكرية الإسرائيلية إلى جانب الكتابة باللغة العربية أنّ إسرائيل لا تحاول إخفاء عمليات الإغاثة الإنسانية التي تقوم بها في سوريا – بل على النقيض تمامًا. فمدير عمليات «حسن الجوار»، المُقَدِّم إي (كما يُطلَق عليه وفقًا للمبادئ التوجيهية العسكرية الإسرائيلية) أبدَى حماسًا كبيرًا حينما كان يشير إلى الكتابات العبرية على كل السلع، فقد صرّح لزيلبر – وفقا للتقرير – بأنّ: «هذا هو الهدف، ينبغي أن يعلموا من أين تأتي المساعدات»، وذلك خلال أكثر مقابلاته الشخصية صراحةً.
يستطرد المقدِّم إي، الجندي السابق في العمليات «المدنية-العسكريةۛ» التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، والذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة، مشيرًا – بحسب التقرير – إلى مشاركة وحدته في الحرب الدائرة على الأراضي السورية، مع أنّ إسرائيل قد أعلنت رسميًا أنها لن تشارك فيها.
وأضاف التقرير: لقد أنهت الحرب الأهلية السورية زُهاء أربعة عقود من الهدوء النسبي بل ومن السلام فوق مرتفعات الجولان: فقد حافظ نظام الأسد في دمشق على حدوده مع إسرائيل هادئةً ومستقرةً، بينما أكدت قوات حفظ السلام الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة التزام كل من سوريا وإسرائيل بالحد المسموح به من القوات العسكرية المنتشرة على طول خط وقف إطلاق النار في الجولان. وبخصوص هذا الأمر، نقل التقرير عن المقدِّم إي قوله إنّه ما أنْ بدأت الحرب الأهلية السورية: «أدركنا تغيُّر الأوضاع على الجانب الآخر من الحدود».
يرى زيلبر أنّ الفوضى التي يمكن أن تنتج عن سقوط بشار الأسد بعد تقهقر الجيش السوري أمام قوات المعارضة لم تكن هي وحدها ما يخيف الجيش الإسرائيلي، بل كان أكثر ما يقلق الجيش الإسرائيلي هو زحف العملاء الإيرانيين وعملاء «حزب الله» اللبناني على الحدود الإسرائيلية.
وبالفعل، ففي السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، كانت الصواريخ العابرة للحدود ونيران الأسلحة الخفيفة والقنابل المزروعة على جوانب الطرق أُمُورًا شائعة – يؤكد التقرير – مما أدى إلى مقتل مدني وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين إصابات خطيرة. وبحسب تقارير إخبارية، فقد ردّت إسرائيل بعدد من الضربات الجوية المُوَجَّهة، التي أسفرت عن مقتل عدد كبير من كبار القادة العسكريين الإيرانيين وكبار قادة الجناح العسكري لـ«حزب الله» اللبناني بينما كانوا يحاولون إنشاء قاعدة «إرهابية» على الجانب السوري من الجولان.
ما هو هدف تلك المعونات؟
يقول الكاتب إن إسرائيل ردت من جانبها بطرق أكثر دهاءً، عن طريق سياسة «حسن الجوار»، وهي الحملة التي تهدف إلى أسر قلوب وعقول السكان المحليين لتصرفهم عن التعاون مع مثل هذه الجماعات «البغيضة».
فبالإضافة إلى بقايا النظام السوري وحلفائه؛ تواجه إسرائيل أيضًا طيفًا واسعًا من المجموعات المسلحة الأخرى على هذه الجبهة، وقد وصفها أحد ضباط الجيش الإسرائيلي السنة الماضية بأنها «50 درجة من اللون الأسود»، فهذه المجموعات تتراوح من التنظيمات المحلية التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، مرورًا بالمقاتلين الموالين لتنظيم القاعدة، وصولًا إلى الثوار السوريين الأكثر اعتدالًا. ويقول المقدم إي بوجه جامد معلِّقًا على هذا الأمر: «لست صالحًا ولا نبيلًا إلى تلك الدرجة، هناك مصلحة عسكرية واضحة لإسرائيل» في أنْ تقوم بكل هذا.
ومع ذلك، يؤكد التقرير أنّ مساعدة السوريين حتمية أخلاقية. فمع أنّ الخراب الذي لحق سواء بحلب أو بإدلب ليس له نظير، إلا أنّ الدمار الذي حلّ بجنوب غربي البلاد ومحافظة القنيطرة على الحدود مع إسرائيل كان هائلًا في حد ذاته. فثلث السكان البالغ عددهم أكثر من 200 ألف إنسان نزحوا داخليًّا؛ فالدواء والغذاء والسلع الأساسية والكهرباء غدت شحيحةً أو غير موجودة؛ إضافة إلى فِرار أو قتل 70% من الأطباء الذين كانوا موجودين في المنطقة. فالأصوات اليومية لنيران المدافع وأعمدة الدخان المتصاعد من مدافع الهاون تبقى شاهدةً على أنّ رحى الحرب لا تزال دائرة.
فأولئك السوريون المصابون الذين وصلوا إلى الحدود بحثًا عن المساعدة في 2013 كانوا القطرة التي صارت بعد ذلك سيلًا لا يزال يتشكّل ويشتد. فقد استقبلت المستشفيات الإسرائيلية أكثر من 4 آلاف شخص. وينقل التقرير عن العقيد نعوم فينك، طبيب القلب وكبير أطباء المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي، قوله إنّ الغالبية العظمى لهؤلاء المصابين كانوا ذكورًا وشبابًا نسبيًّا يعانون من «إصابات بليغة يمكنها أن تسبب الإعاقة أو الوفاة»، وهي إصابات شائعة في الحروب.
وينقل التقرير زعْم الضباط الإسرائيليين أنّهم «لا يفحصون بطاقات الهوية» كي يعلموا ما إنْ كان هؤلاء المصابون من المعارضة المسلحة أم لا؛ فبعد تفتيشهم على الحدود، يتم استقبال الجميع وتقديم الرعاية الطبية لهم – مع أنّ هناك تقارير أشارت إلى وجود «سنيين جهاديين» بين المصابين.