أين اختفتْ نسخة صحيح البخاري الأصلية؟
الأستاذ شريف محمد جابر رابطة علماء أهل السنةيطرح بعض "الباحثين" وبعض من يحملون لقب "دكتور" سؤالا "وجيهًا" حول فقدان المخطوطة الأصلية لصحيح البخاري والتي كتبها بيده، فهم يتساءلون: لو كان الإمام البخاري قد كتب هذا الكتاب فلماذا لا نجد النسخة الأصلية التي خطّها بيده؟ يقولون: إنّ أقدم نسخة مخطوطة لصحيح البخاري تعود إلى القرن الرابع الهجري، أي بعد عشرات السنين من وفاة البخاري (توفي عام 256 هـ). وهي نسخة الإمام محمد بن أحمد المروزي، الذي ولد سنة 301 هـ وتوفي سنة 371 هـ، وقد سمع صحيح البخاري من شيخه الفربري عام 318 هـ، وسمع الفربري الصحيح من البخاري سنة 252 هـ. فكيف نثق بكتاب منسوب لصاحبه ونحن لا نملك النسخة الأصلية منه؟!
أولا: سذاجة السؤال
من الأمور المؤسفة أننا نعيش في عصر يُطرح فيه مثل هذا السؤال الساذج؛ إذ مَن الذي يسأل عن النُّسخ الأصلية للكتب اليوم؟ فإذا بدأنا بالقرآن الكريم، فنحن نثق ثقة مطلقة بحفظ كتاب الله ومع ذلك لا نجد بين أيدينا النسخة الأصلية المكتوبة على عين الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا حتى النسخة الأصلية لمصحف عثمان! بل وعندما اكتشف العلماء في ألمانيا مخطوطة قديمة للقرآن تعود للعهد الراشدي، وأكّدوا أنها مطابقة لما بين يدينا من القرآن اليوم؛ لم يزدْ ذلك من يقيننا في كتاب الله شيئا! فإذا مضينا للكتب البشرية، وجدنا أنّ السذّج فقط هم من يعتبرون وجود النسخة الأصلية المكتوبة بخط الكاتب هو الدليل على صحة نسبة الكتاب إليه! كم كتابا قرأتم من عصرنا هذا أو من عصور سالفة لا توجد له نسخة أصلية بخط الكاتب؟! إنّ وجود النسخة الخطية لكاتب الكتاب لم تكن يوما ولن تكون مرجعا في إثبات موثوقية نسبة الكتاب إليه، وعلى هذا تواضع البشر منذ قرون، ذلك أنّ مسالك إثبات النسبة للكاتب تتعلق بتواتر نقل الكتاب وإثباته في عدة مراجع، وليس في وجود نسخة الكاتب الخطية.