الأحد 22 ديسمبر 2024 08:44 مـ 20 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    الواجب الاقتصادي للأمة الإسلامية نحو الروهنجيا

    رابطة علماء أهل السنة

    يعيش إخواننا مسلمو الروهنجيا في واقعنا المعاصر حرب إبادة جماعية على يد جيش ميانمار البوذي بأركان، ذلك الجيش الذي ينتزعهم من الأرض نزعاً، ويثخن فيهم بالقتل، تارة بتقطيع الأعضاء، أو بالحرق بالنار، أو الصلب على الأشجار حتى الممات، وغيرها من وسائل القتل التي لا تخطر على بال أحد.

    أعادت تلك الأحداث الجسام إلى الذاكرة قصة أصحاب الأخدود التي تناولتها سورة «البروج» بقوله تعالى: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ {1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ {2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ {3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ {4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ {5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ {6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ {7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {9}) (البروج).

    كما أعادت تلك الأحداث الجسام إلى الذاكرة حديث النبي صلي الله عليه وسلم لخباب بن الأرت رضي الله عنه حينما قال: «شكَوْنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسّدٌ بردةً له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجلُ في من قبلكم يُحفَرُ له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيُوضَع على رأسه، فيُشقُّ باثنتين، وما يصدُّه ذلك عن دينه، ويُمشَط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عَظْم أو عصَب، وما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليُتمنَّ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللهَ أو الذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجلون» (رواه البخاري).

    صمت إسلامي

    لقد أدت هذه الحرب الضروس على مدنيين مسلمين عزل إلى مقتل أكثر من 3 آلاف مسلم من الروهنجيا، وفرار مئات الآلاف من آراكان إلى بنجلاديش، فضلاً عن عشرات الغرقى أثناء عبورهم نهر ناف على الحدود بين ميانمار وبنجلاديش، من بينهم الكثير من الأطفال، في ظل صمت إسلامي كصمت القبور، ولم يجهر بقضيتهم وإعلان مساندتهم في محنتهم سوى الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، الذي اتهم ميانمار صراحة بارتكاب جريمة «الإبادة الجماعية» بحق أقلية الروهنجيا المسلمة.

    بل حول الرئيس “أردوغان” تلك القضية إلى قضية رأي عام تركي محفزاً المشاعر الإسلامية والقومية حينما اعترف بفضل المسلمين في آراكان على العثمانيين بقوله: “خلال حروب البلقان عام 1912م، أعلن المسلمون في آراكان النفير العام من أجل إخوانهم في الدولة العثمانية، ونشروا إعلاناً في إحدى الصحف التي كان يصدرها مسلمو الهند، عقب المأساة التي تعرض لها جيشنا في البلقان، وكتبوا في الإعلان أن كثيراً من الجرحى الأتراك تُركوا ليواجهوا مصيرهم في العراء، فلا تتركوا المسلمين للجوع والموت”.

    وأضاف “أردوغان”: “إن مسلمي الروهنجيا الذين أبت نفوسهم قبل قرن من الزمان تركنا في براثن الجوع والموت يعانون معاناة مماثلة لتلك التي عانيناها قبل قرن؛ لذلك لا نستطيع أن ندير ظهورنا لهم ولمعاناتهم كما يفعل العالم معهم اليوم”.

    وبالفعل لم يدر الرئيس “أردوغان” ظهره لمسلمي الروهنجيا، فطلب من بنجلاديش توفير أماكن لإقامة مخيمات للاجئين من الروهنجيا مع تحمل تركيا كافة التكاليف المتعلقة بذلك، كما أرسل زوجته وابنه ووزير خارجيته لزيارة اللاجئين الروهنجيا في بنجلاديش وتقديم العون لهم.

    إن ما يحدث للمسلمين في آراكان يمثل معرة للدول الغربية التي صدعت رؤوسنا ليلاً ونهاراً بحقوق الإنسان، والإنسان يقتل جهاراً نهاراً ولا يحركون ساكناً لا لشيء إلا لأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بل إن ما يحزن القلب هو ذلك التقاعس الملحوظ وإدارة الظهر من المسلمين حكاماً ومحكومين في بقاع الأرض إلا من رحم ربي، حيث انشغلوا بخلق خلافات فيما بينهم، وأصبح بأسهم بينهم شديداً، وتسابق الكثير منهم لتحقيق الرضا لأعداء دينهم.

    فريضة شرعية

    إن نصرة مسلمي الروهنجيا فريضة شرعية وضرورة بشرية، وإذا كنا عجزنا عن نصرتهم بالنفس فلا أقل من نصرتهم اقتصادياً بالمال والوقوف معهم في محنتهم، فالله تعالى يقول: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً {75}) (النساء)، (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) (الأنفال: 72)، (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).

    والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» (متفق عليه)، ويقول: «وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره» (رواه مسلم)، ويقول: «مثل المؤمنين في تَوَادهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى» (رواه البخاري).

    فلنبرز هذا التواد والتراحم والتعاطف والبعد عن الخذلان، ونجعل تلك القضية حية بأموالنا، جهاداً مالياً يقدم لإخواننا الروهنجيا بنفس سخية، للتخفيف عنهم، والدفاع عن أنفسهم، مع تفعيل تلك القضية على كافة وسائل النشر والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ {272}) (البقرة).

     

    مقاطعة اقتصادية

    كما ينبغي على الدول والشعوب الإسلامية إعلان وتعزيز المقاطعة الاقتصادية للسلع الميانمارية، لاسيما وأن أهم صادراتها الأرز، فالبترول، فخشب التاك، فالرصاص، ويلي ذلك التنجستن، والقصدير، والخضراوات، والمطاط، والقطن، والفضة، خاصة وأن تلك الصادرات يتوجه جزء ليس هيناً منها نحو الدول الإسلامية حيث تستحوذ إندونيسيا على نحو 16% من جملة تلك الصادرات، تليها ماليزيا بنحو 12%، فباكستان بنحو 9%.

    ميانمار الروهينغا مقتل مجازر اضطهاد أردوغان تركيا اقتصاد

    مقالات