الدكتور مجدي شلش - الأستاذ بجامعة الأزهر
رابطة علماء أهل السنة
الدين أفيون الثورات
بقلم الأستاذ الدكتور مجدي شلش
أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر
الثورة تغيير استراتيجي في حياة الأمم، هي نقلة من الاستبداد والاستعباد إلى الحرية والكرامة، ومن النفاق والكذب إلى الإيمان والصدق، ومن الجمع والاستحواذ للثروة إلى التوزيع العادل لها.
الثورة تعني إنسان يحترم في عقله وفكره وتعليمه وصحته وسكنه ومأكله ومشربه ومركبه.
الثورة مجتمع ناضج يعرف حقيقة الصراع الدائر الآن بين الوجود والعدم، والكفر والإيمان، والقوة والضعف والعزة والذلة.
حقيقة الدين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى لا يتعارض أبدا مع الثورة، إذ هو رقي بالإنسان، ورفعة به، وكرامة له، دين أساسه الفطرة النقية فيعلو بها، ويجلو صفاءها، ويهذب من غرائزها.
ديننا لا يرضى الذل والهوان والإهانة لبني الإنسان، فيحفظ عليه نفسه وماله ونسبه وعقله وعرضه.
الدين تصور صحيح للحياة، وتصديق كامل بالله، والله يدعو إلى دار السلام في الدنيا، التي لا ضيق فيها في الحريات، ولاضنك فيها في الأرزاق ولا حرج فيها في التكليف، وإنما الرحمة والسعة والعدل والحكمة.
الدين شريعة جامعة تامة كاملة، وعدالة ناجزة، وعقوبة زاجرة، وحرية مضبوطة، وسعادة وافرة، ما أحل إلا الطيب من الكلم والمخرج والمدخل والمأكل والمشرب والملبس والمركب، وما حرم إلا الخبيث الضار رحمة بنا وشرفا لنا.
الدين قول لين وحكمة بالغة وروح عالية ونفس سامية وعقل واسع وقلب كبير وعلم وفير.
الدين الحق والثورة ضد الفساد والطغيان والاستبداد وجهان لعملة واحدة، ما جاءت شريعة بظلم، ولا قننت ذلة، ولا أباحت إهانة.
ديننا الذي نؤمن به ونقدره ونعتز به حق وقوة ومقاومة وعزة وجهاد ونفرة ضد الكافر والباغي، موسى - عليه السلام - وقف أمام طغيان الحاكم واستبداده، وجاهد ضد سطوة المال وفساده، وصارع إعلام وإرهاب السحرة والوزراء، قال قولا لينا في أول دعوته، فلما رأى الظلم مستمرا قال بكل جرأة وشجاعة: " وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " أي هالكا مقتولا، اللين له وقته، والصبر له حدوده، والجهاد والقتال له حكمه.
سلفه في ذلك إبراهيم الخليل، بعد أن نجح في معركة العقل والفكر وحطم والأصنام والأوثان الحجرية، حطم الأصنام البشرية في مناظرة رائعة بهت فيها الذي كفر.
أما إمام الأنبياء وسيد المرسلين فجهاده ضد الطواغيت معلوم، ومصارعة أهل الفساد والطغيان جلى ومكتوب.
قد يقول قائل هذا في الكفار والمشركين وأين ذلك في المستبدين والانقلابيين من المسلمين؟
والجواب: المتفق عليه عند أهل العلم أن الجهاد والقتال ليس خاصا بالكفار والمشركين، وإنما يتعدي إلى كل ظالم وباغ وخارج وفاسد وقاطع للطريق، تحت راية أهل العلم والحكمة إذا فقدت الأمة حكامها، إذ صاروا رغم ادعائهم للإسلام ألد أعدائها، والنصوص في ذك من القرآن والسنة متواترة، وقول عمر - رضى الله عنه - للصحابة : ماذا لو ملت عن الإسلام هكذا أو هكذا وأشار برأسه، فقام أحد الصحابة وقال له: لو ملت هكذا أو هكذا لقومناك بسيوفنا.
الصحابة - رضوان الله عليهم - حسب علمي ما أباحوا فكرة الحاكم المتغلب، أو المستبد العادل، وإنما هى من بنات أفكار الدول التي أتت بعدهم، وجمهور أهل العلم على أن الخروج على الحاكم الظالم المستبد هو قول أهل السنة والجماعة.
أما الدين الذين يبرر ويشرعن الظلم والاستبداد فلا نعرفه ولا نؤمن به، ما تعلمنا من ديننا إلا الصدع بالحق، وسيد الشهداء حمزة - رضي الله عنه - ورجل قام إلى حاكم ظالم فأمره ونهاه فقتله، فكان مع سادة الشهداء.
ليس في ديننا كهنوت ولا أصنام حجرية أو بشرية، الكل يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم - صلى الله عليه وسلم .
الظلم والطغيان في كل عصر يحتاج إلى صناعة دين مريض وضيع أرضي بشري متهافت الأركان، وإلى كهنة وأحبار وشيوخ ورهبان.
صنعت الكنيسة دينا عظم البشر ورفعهم إلى رتية الأنبياء بل الألهة، فعم الظلم باسم الدين، والطغيان باسم الإله، والفساد باسم الشريعة، فكره الناس الدين والإله والشريعة معا، وحطموا هذا الأوثان التي صنعها الحكام برشوة الأحبار والرهبان .
بعض أدعياء العلم جعلوا من الحكام آلهة لا تمس، ولهم قدسية لا تدنس، وعلوية وجلالة لا تنصح ولا تؤمر بمعروف أو تنهي عن منكر.
سقوط في بئر المادة الوضيعة، والمناصب التافهة، والمنازل المترفة، والمراكب الفارهة، باعوا الدين الغالي بدين رخيص، وجعلوا من المترف الوضيع الخسيس اللئيم حكيما أواه منيبا بالمؤمنين رؤوفا رحيما.
بئس الدين والتدين الذي يجلب العار على الأمة، فهو أفيون الشعوب ضد الثورات، فلا يحبها ولا يعترف بها، ويرميها تحت أقدام الكفار والبغاة والخوارج وقطاع الطرق ولصوص الأمم باسم الله واسم رسوله، والله ورسوله منهم براء.
علماؤنا الربانيون بخير، وإن كانوا غرباء أمام جحافل القنوات الفضائية، هم أمل الأمة إذا صدعوا بالحق وبينوا وأصلحوا ما أفسده علماء الزور والبهتان.