العلماء الربانيون الأحرار هم رأس الحربة في كل تغيير، وهم الآن يتصدرون المشهد الثوري في العالم العربي، تحميسا وترشيدا وتأصيلا وبيانا لما يجب، والناس ما تزال تضع ثقتها في العلماء، وتنتظر كلمتهم، وتلتف حولهم.
وفي هذا الإطار يأتي خبر اغتيال الشيخ الدكتور نادر السنوسي العمراني، الأحد 20 / صفر / 1438هـ ـــ 20 / نوفمبر / 2016م بعد أن تم اختطافه في 6 أكتوبر 2016م، وهو العالم الجليل والداعية الرباني المجاهد، الذي يعرفه علماء ليبيا ودعاتها، وكذلك علماء العالم الإسلامي، بالرسوخ في العلم، والسمو في الخلق، والسماحة في المعاملة، وقد عرفته قبل سنين، ثم التقينا لقاء حيًّا ونحن نؤسس منتدى علماء الملسمين.
محطات في رحلة طلب العلم
ولد الشهيد بإذن الله نادر العمراني في الأول من شوال من عام 1392هـ الموافق الثامن من نوفمبر 1972م بطرابلس.
درس المرحلة الابتدائية والإعدادية بمدرسة الوحدة العربية بطرابلس، وتحصل على الشهادة الإعدادية سنة 1986م، وتحصَّل على الشهادة الثانوية من مدرسة جنزور الثانوية سنة 1989م بتقدير ممتاز.
ثم درس أربع سنوات في كلية الطب جامعة طرابلس قبل أن يتركها متوجهاً إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلب العلم والدراسة في الجامعة الإسلامية، فتحصَّل على شهادة الليسانس من كلية الحديث الشريف وعلومه عام 1997م بتقدير عام ممتاز بنسبة 96.5 %.
ثم تحصَّل على دبلوم الدراسات العليا في الحديث الشريف وعلومه من قسم علوم الحديث، بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عام 1998م بتقدير عام ممتاز، بنسبة 97.8%.
ثم الشهادة العالية (الماجستير) في الحديث وعلومه من قسم علوم الحديث، بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عام 2002م بتقدير ممتاز، وكانت الرسالة بعنوان: "قرائن الترجيح في المحفوظ والشاذ وفي زيادة الثقة عند الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري".
ثم نال الدرجة الدقيقة (الدكتوراه) من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة طرابلس في 7/1/2010م بإشراف فضيلة الشيخ أ.د. الصادق بن عبد الرحمن الغرياني، مع التوصية بالطبع والتداول بين الجامعات، وكانت الأطروحة بعنوان: " علوم الحديث عند ابن عبد البر من خلال كتابه التمهيد".
وقد طلب العلم على عدد كبير من علماء المسلمين داخل ليبيا وخارجها، وله إجازات في علوم شتى، وحفظ القرآن على يد الشيخ مصطفى قشقش في مسجد عبد الله بن عمر.
من معالم الندرة عند الشيخ
إن الشيخ نادر العمراني له من اسمه أكبر نصيب، فهو نادر بالفعل، نادر في علمه، الذي شهد له به كل من عرفه وعامله، حتى أعداؤه الذين اغتالوه كانوا يعرفون عنه علمه.
ونادر في تعلمه: صبرًا ودأبًا وتفوقًا في جميع مراجل تعليمه حتى استشهاده.
ونادر في خلقه وسمته، فقد كان قليل الكلام، هادئ الطبع، ثاقب النظرة، باسم المحيا، ونادر في سمته ونورانيته وربانيته، وكان كذلك نادرًا في مشيته، وهيبته، ووقاره وحيائه وبسمته، فكأن الشاعر عناه بقوله حين قال:
وهو عمرانيٌّ، نسبةً للعمران؛ حيث عمَّر ليبيا بعلمه وفضله ونشاطه، وبجهده في الهيئات الرقابية والروابط العلمائية التي تولاها وحظيت بعضويته، فقد تولى وظيفة الرقابة الشرعية على عدة مؤسسات مالية، منها: عضو هيئة الرقابة الشرعية بمصرف شمال أفريقيا من 2010م-2012م. وعضو هيئة الرقابة الشرعية بالمصرف الأهلي المتحد 2013م. ورئيس اللجنة الشرعية لمصرف الادخار والاستثمار العقاري 2013م. وعضو هيئة الرقابة الشرعية في شركة التكافل للتأمين الإسلامي منذ 2010م. وعضو هيئة الرقابة الشرعية في الفرع التكافلي لشركة ليبيا للتأمين 2012م. وعضو هيئة الرقابة الشرعية المركزية بمصرف ليبيا المركزي 2013م.
وكذلك تولى إدارة فرع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بطرابلس سنة 2012م. وعضو في عدة هيئات شرعية، أبرزها: عضو مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية. والأمين العام لهيئة علماء ليبيا. ونائب رئيس رابطة علماء المغرب العربي. وعضو رابطة علماء المسلمين. ورئيس اللجنة العلمية بالجمعية الليبية للمالية الإسلامية. وعضو في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAIOFI). ونائب رئيس لجنة مراجعة القوانين والتشريعات وتعديلها بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية المشكلة من المؤتمر الوطني العام 2015م. وعضو اللجنة الاستشارية بإدارة الدراسات والبحوث بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 2012م. وكان مدربا معتمدا من المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين، وقدَّم العديد من الدورات العلمية في المالية الإسلامية.
كما أثر في نفوس طلابه وعمرها بالعلم والإيمان؛ حيث درَّس في عدد من الكليات والأقسام الشرعية في الجامعات الليبية، فعُيِّن سنة 2006م بدرجة محاضر مساعد في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة مصراتة. ثم انتقل إلى قسم الدراسات الإسلامية، بكلية الآداب، جامعة طرابلس 2012م، ويعمل فيه إلى الآن بدرجة أستاذ مساعد. وقام بالتدريس طلبة الدراسات العليا في كلٍّ من: أكاديمية الدراسات العليا فرع مصراتة، وجامعة طرابلس، والجامعة الأسمرية، وجامعة المرقب. وشارك في عدة مؤتمرات علمية، داخل ليبيا وخارجها، وكان محرر جريدة الهدي الإسلامي الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما شارك في تحكيم عدد كبير من البحوث المنشورة في المجلات الشرعية العلمية، كما ناقش وأشرف على عدد من رسائل الماجستير.
ومن معالم العمارة والتعمير عند صديقنا الحبيب الفقيد الشهيد أنه ترك عدة مؤلفات، يعمر بها حياته الباقية الخالدة – والعلم المنتفع به يتصل به العمل بعد الوفاة – وتكون أثرا صالحا تنتفع به الأجيال من طلاب العلم، منها:
قرائن الترجيح في المحفوظ والشاذ وفي زيادة الثقة عند ابن حجر من خلال فتح الباري.
علوم الحديث عند ابن عبد البر من خلال كتابه التمهيد.
النصوص الشرعية بين جمود الظاهرية وخيالات المتعمقة.
جهود المحدثين في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فضائل النخلة والتمور في السنة النبوية.
تشريعات التأمين التكافلي في ليبيا قراءة في قرار وزير الاقتصاد رقم (201) لسنة 2012م.
الحديث الحسن لذاته وعدم اختصاصه بخفة الضبط.
الأخذ بالقول الضعيف في المعاملات المالية المعاصرة.
لأحاديث المشتهرة على الألسنة وحكم روايتها دون تثبت.
أثر المعايير الشرعية في كفاءة التدقيق الشرعي.
تحول شركات التأمين للنظام التكافلي.
لقد مثلت حياته عمارة وتعميرا بما كتبه من كتب، وشارك فيه من ندوات، وبما أعده من مشروعات، وقدمه من بذل وعطاء؛ خدمة لقضيته العادلة، وإنجاحا لثورته المتآمَر عليها.
استشهاد الشيخ .. دروس للثوار
إن اغتيال الشيخ الشهيد نادر العمراني جريمة بشعة بكل المقاييس، وعمل إرهابي خسيس، لا يُقدم عليه إلا من اتصفوا بصفات الخوارج الذين وصفهم النبي – صلى اله عليه وسلم – في الصحيحين بأنهم (يقتلون أهل الإسلام) .. هؤلاء ليس عندهم فكر ولا فقه ولا حجة حتى يناقشوا فيه، وإنما لا يليق لهم إلا القوة، فمتى اتضح بيقين وثبت بلا شك قاتلوه فلا يجوز أن تأخذ أبطال ومجهادي ليبيا بهم هوادة في دين الله، حتى يكونوا عبرة لمن بعدهم؛ لأن هذا مخطط يستهدف العلماء، ليس في داخل ليبيا فقط وإنما خارجها أيضا.
إن الشيخ الجليل نادر – تقبله الله في الشهداء - كان مثالا للعالم الرباني العامل الذي استثمر حياته في العمارة والبناء والتعمير، وإذا كانت حياته كذلك فيجب أن يكون استشهاده على هذا النحو - رغم ما فيه من ألم وحزن - فرصةً لإعادة اللحمة إلى فرقاء الثورة الليبية، بأن ينحوا خلافاتهم، ويعيدوا تشبيك العلاقات حتى يقف الجميع صفا واحدا أمام أعداء ليبيا وتحدياتها في الداخل والخارج؛ تحطيطا وتنفيذًا؛ فثورة السابع عشر من فبراير مستهدفة ويراد اغتيالها والقضاء عليها .. إن فقْدنا للشيخ نادر محنة ينبغي أن يكون فيها منحة لتوحيد الصف الثوري في ليبيا، واستعادة قوة نسيجه الاجتماعي وعافيته الثورية.
- See more at: http://www.rassd.com/196855.htm#sthash.xYjw1lFp.dpuf