الجمعة 22 نوفمبر 2024 10:29 صـ 20 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    الاحتفال الثاني بثورة يناير وتماسك كتل الفساد

    رابطة علماء أهل السنة

    نتذكر جميعا الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير في العام الماضي، وكيف كانت طبيعة هذا الاحتفال؛ حيث الحشود الكبيرة الهائلة في ميدان التحرير وميادين مصر، كانت فرحة كبيرة واحتفالا مميزا رغم الجراح والآلام، وانتهى يوم الاحتفال دون أي إصابات أو مخالفات تذكر؛ لأن الثوار الحقيقيين والمصريين الشرفاء الوطنيين هم من حضروا الاحتفال، وهو ما يعزز الحفاظ على أخلاق الثورة المصرية العظيمة.
    أما الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة يناير في الأيام الماضية فقد كان داميا مدمرا مخربا؛ حيث تولته الثورة المضادة وأذنابها في الداخل بدعم من رؤوسهم في الخارج، ثم يُحمِّل هؤلاء المجرمون المسئوليةَ للرئيس وحكومته.. وكنت أتمنى أن يقوم الجيش بالاحتفال بهذه الثورة كما سمعنا من بعض وسائل الإعلام؛ حفاظا على الأرواح والجراح والمؤسسات، وتعزيزا للأمن والاستقرار الذي يترتب عليه تنمية شاملة.
    إن ما جرى على مدار الأيام الماضية في مصر – 24، 25، 26 يناير - يدل على أن الفساد والاستبداد الذي تجمَّع عبر أكثر من ستين سنة عبارة عن كتل متماسكة في مؤسسات الدولة الآن، حيث انتشر عبر هذه المدة في مصر كما ينتشر السرطان في البدن، وكلما جاء مسؤول جديد في أي مؤسسة أو وزارة أو وحدة محلية أو حي وأراد أن يصلح تمت مواجهته بهذه الكتل المتماسكة، وذلك للدفاع عن بقائها ومصالحها وحياتها!
    وقد تزامن هذا مع النطق بالحكم في قضية مذبحة بور سعيد التي قرر قضاتها إحالة أوراق 21 متهما إلى مفتي الجمهورية، تمهيدا للتصديق على إعدامهم... لقد أثلج صدري وصدر كل مصري الحكم الصادر السبت الماضي 26 يناير 2013م من محكمة جنيات بور سعيد.. ويا ليت القضاء المصري تعامل مع كل قضايا قتل المتظاهرين على هذا النحو لكنه يحكم بالأدلة التي بين يديه، حيث كانت الشرطة تخفي أو تحرق الأدلة، وهي الجهة المنوط بها تقديم الأدلة للنيابات.
    إن هذا الحكم هو بمثابة طاقة أمل فتحت أمام المصريين، ولقَّنت درسا للمخربين والمفسدين الذين يريدون جرجرة مصر للوراء وإرباك الحالة الجديدة فيها، ولا ننسى نسبة الفضل لأهله، وهو مجلس الشعب الذي تم حله عسفا وعدوانا، الذي شكل لجنة تقصي حقائق، وقدمت تقريرا حول المذبحة.
    ولكنني أخشى أن يزكي هذا الحكم حالة التخريب والتحريق بحجة أن هذا هو الذي أجبر القضاة على النطق بهذا الحكم...لا سيما أننا شاهدنا بعض أعضاء جبهة الإنقاذ – جمال فهمي على قناة العربية، والمخربين في التحرير وغيره - وهم غير مسرورين، ويصفون حكم محكمة جنايات بور سعيد بالحكم القاسي والظالم.
    لكنني على يقين - رغم كل هذا الفساد والتخريب والقتل والتحريق الذي لن يفلح - أنه مع الصبر الجميل، والعمل الدؤوب، وتفعيل القانون، وإصلاح القضاء ستجه الأمور إلى ما هو أفضل وأنفع للبلاد والعباد: "إن الله لا يصلح عمل المفسدين . ويحق الله الحق بكلماته".
    إن خط المنحنى التاريخي والحضاري يخبرنا أنه لا عودة إلى الوراء، وأن مصر وغيرها من بلاد الربيع العربي ستتقدم إلى الأمام، وتستمر في طريقها الذي رسمته شعوبها بإرادتها وعزيمتها ووعيها وإصرارها، لكن الأمر مرهون باليقظة والأخذ بالأسباب الممكنة، كما قال داعيتنا الكبير الشيخ محمد الغزالي الذي نفتقده بيننا هذه الأيام: "إن الأمور تتدافع إلى نهايتها وفق سنن كونية دقيقة، وخواتيم الصراع بين الأمم لا تقع خبط عشواء، ولا تكيلها الأقدار جزافا، بل تجيء وفق مقدمات منتظمة، كما تجيء النتائج بعد استكمال الأسباب". حصاد الغرور: 91. طبعة نهضة مصر.
    ستهدأ الأمور في مصر بحول الله، وبخاصة بعد انتخابات مجلس النواب، ويعود الأمن، وسيقوم كثير من المجرمين وأصحاب المصالح بتوفيق أوضاعهم مع الوضع الجديد، وربما هاجر البعض خارج البلاد ممن سيتعذبون بوجود الصلاح والأمن والاستقامة.. وستسير مصر من سيء إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن.
    والنصر لمصر بأبنائها الأبرار، وشهدائها العظماء، ومعارضتها السلمية الشريفة .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.



    عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
    د. وصفي عاشور أبو زيد

    وصفي عاشور أبو زيد