قد يبلغ الداعية مكانًا مرموقًا بين أقرانه، ويكون له أتباع يعجبون بعلمه أو فكره، أو لأنه يتمتع بشخصية إيجابية مؤثرة، وههنا نقطة حرجة يخشى فيها على الطرفين؛ التابع والمتبوع!!
ما يخشى على المتبوع فيها هو الفتنة بأشكالها المختلفة، من أخطرها العجب بالنفس والاعتداد بالرأي إلى درجة تسمى عند علماء النفس بـ(تضخم الأنا) والذي قد يُفرز ما يحلو لي أن أسميه بظاهرة(استنساخ الأنا).
وملخص الظاهرة أن يرى المتعاظِمُ في نفسه أنَّ أفكاره وآراءه جديرة بالتعميم على الجميع لأنها الأمثل والأصلح والأقرب إلى الصواب، فيعرضها على سبيل الإلزام أو يكاد، وإن لم يُصرِّح بذلك، وعلامة هذا المرض فرحُه بازدياد الموافقين ـ المستنسَخين ـ وامتعاضه من وجود مخالفين أو معارضين ولو جزئيا، وهو لا يقدر على الانسجام مع الآخرين الذين يخالفونه ولو في بعض وجهات نظره وآرائه التي يسوغ فيها الخلاف، فإما أن يوافقوه في كل شيء أو يضيق بهم ذرعًا إلى حد القطيعة والهجران، مع أنَّ القواسم المشتركة بينه وبينهم هي الأكثر.
الداعيةُ الصادق غايته دلالةُ الناس على الخير لينتفعوا بدَرَكه، ويجوز له الفرح بفضل الله عليه أن جعل له القبول عند الخلق، وأنه سيكتب له أجر الدلالة على الخير، ولكن حظ النفس في هذا قد يكون شهوةً خفيةً لا يلحظها إلا موفق، وهي حبُّ الموافقة، أي موافقة أطروحاته لا موافقة الحق في نفس الأمر، فسعادته عظيمة برؤية الآخرين نسخةً منه وكأنه يرى نفسه فيهم ويرى صورته متعددة في شخوصهم لأنه يحقق لديه إشباع حبِّ الذات وتضخم الأنا.
قلت يومًا لبعض أحبابنا الذين لمستُ منهم هذا الداء: ألا يمكنك أن تقبلني على ما أنا عليه وأقبلك على ما أنت عليه لما بيننا من مشتركات دون أن أستنسخك أو تستنسخني؟
فأجابني: حقًا.. لقد وضعت يدك على الجرح.
أيها المبارك..
إن كنتَ تابعًا فليكن اتباعك خالصًا للحق لا للأشخاص، واربأ بنفسك أن يستنسخك أحدٌ كائنًا من كان.
وإن كنت متبوعًا فحذارِ أن يكون مرادُك من التعليم والدعوة استنساخَ ذاتك في الآخرين فهي شهوةٌ خفيةٌ تنافي الإخلاص والتجرد.
دع هامشًا للمخالفة السائغة تصون بها كياناتهم وتراعي فيها الفوارق البشرية الطبيعية بينك وبينهم، فلستَ معصومًا وليسوا بهائمًا، فالاستنساخُ ذلةٌ للتابعِ وفتنةٌ للمتبوع.