الأحد 22 ديسمبر 2024 02:43 مـ 20 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    متى تعتذر فرنسا للأزهر الشريف؟

    رابطة علماء أهل السنة

    كان القائد الفرنسي نابليون بونابرت يحلم بحكم امبراطورية تمتد من الغرب إلى الشرق، لذا خرج على رأس أسطول بلاده لاحتلال مصر في 19 مايو/ أيار 1798م واصطدم بمقاومة شعب الإسكندرية الذي وقف ضد الغزو الذي بدأ من البحر، وضرب السيد محمد كُريم حاكم الإسكندرية أروع الأمثلة في البسالة والبطولة حتى سعى نابليون إلى استمالته والاستفادة منه، لكنه رفض بعزة وإباء، وفي 6 من سبتمبر/أيلول 1798م، الموافق 25 من ربيع الأول 1213 هجرية، أعدم الفرنسيون القائد محمد كُريّم في ميدان القلعة رمياً بالرصاص، وسبق هذا الانتقام الواضح هدم المدارس والمساجد في الإسكندرية، وكل ما طالته المدافع الفرنسية، في بداية دموية استمرت طوال فترة الاحتلال الفرنسي، لكنهم أفلحوا في تصوير الغزو على أنه “حملة ” لنصرة المصريين ضد ظلم المماليك، ونشر العلم والثقافة في المجتمع.

    قيمة الأزهر

    وقبل نزول نابليون في الإسكندرية، كان يدرك قيمة الأزهر الشريف وأهميته، وقال لخاصته عن علماء الأزهر: إنهم النخبة، وإليهم يرجع الناس ويصدرون عن رأيهم” ، لذا بدأ بمهادنتهم والتقرب إليهم، وأنشأ الديوان وأشركهم في إدارة شؤون القاهرة، وزارهم في الجامع الأزهر مرتديا زي الأزهريين وعمامتهم، بل أشاع أنه دخل الإسلام وكان يحضر المناسبات الدينية، وبعد فترة طلب إليهم إصدار فتوى بطاعته كحاكم فرفضوا ذلك، وعمق الهوة بينه وبين المشايخ أنه أراد أن يُلبس الشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الأزهر طيلسانا، وهو كساء فرنسي عليه ألوان فرنسا ورموز ثورتها، فرفض الشيخ الشرقاوي وألقاه على الأرض.

    وبدأ الاحتلال الفرنسي يكشف عن حقيقته بإشاعة السفور، والحض على الفجور وفتح الحانات وبيع الخمور، ويؤكد كُتاب التاريخ أن الاحتلال الفرنسي يعمد دائما إلى طمس الهوية، وانحلال روابط المجتمع ونقض قيمه، ليفرض ثقافته ولغته بقوة الحديد والنار، وأدرك علماء الأزهر خطورة ذلك، وأبصروا بوادره فبدأوا بالإعداد للثورة ومقاومة المحتل، فتشكلت لجنة الثورة داخل الجامع الأزهر، بقيادة الشيخ محمد أبو الأنوار السادات، ثم الشيخ عمر مكرم نقيب الأشراف، وهو من كبار علماء الأزهر، لكن غلب عليه لقب السيد عمر لمكانته بين السادة الأشراف، ولم يلبث الأمر طويلا حتى اشتعلت الأوضاع في القاهرة بقيادة العلماء، وانضم إليهم التجار ثم بقية طوائف الشعب، واندلعت ثورة القاهرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 1798، ليدوي الأذان في القاهرة من آلاف المساجد المنتشرة فيها، ثم يجلجل عقب كل أذان في الصلوات الخمس نداء “حي على الجهاد” في واحدة من أسرع وسائل الحشد والإعلان في حينها، ونزل أحد كبار قادة الجيش الفرنسي لتهدأة الأوضاع واستكشاف الأمر فقتله الثوار، فقرر نابليون الانتقام من الأزهر وشيوخه وطلابه، فأمر بالمدافع فوضعت على القلعة والمقطم، وأمر بقصف الجامع على من فيه، ثم اقتحمه الجنود ودخلت الخيول الأزهر، وقتلوا الطلاب ونكلوا بهم والمجاورين، ويصف ذلك المؤرخ الجبرتي بقوله: “دخلوا إلى الجامع الأزهر راكبين الخيول، وبينهم المشاة كالوعول، وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشّموا خزائن الطلبة، ونهبوا ما وجدوه بها من المتاع والأواني والقصاع والودائع، والمخبآت بالدواليب والخزانات، ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها، وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه، وكل من صادفوه به عرُّوه، ومن ثيابه أخرجوه…”.

    صبيان الفرنكوفونية

    وتأكد لنابليون بعد ثورة المصريين صعوبة البقاء في القاهرة، فقرر الرجوع إلى باريس واستخلف بعده الجنرال كليبر المعروف بالعنف والقسوة، في الوقت الذي كانت فيه جروح الأزهريين لم تندمل بعد، فظهرت رغبة بعض الطلاب في الثأر للجامع العتيق والمعهد العريق، بعدما دنسه الفرنسيون بخيولهم ونعالهم، فانبرى أحد طلاب رواق الشوام واسمه سليمان الحلبي، وقرر قتل كليبر ونجح بالفعل في تسديد طعنات أنهت حياته في قصر الألفي، وذلك في 14 يونيو/حزيران 1800م،

    وقتل الفرنسيون سليمان الحلبي بطريقة بشعة، حتى يجعلوه عبرة لغيره، فحرقوا يده كاملة وهو حي، ثم صلبوه على الخازوق، ومازال أبناء فرنسا وصبيان الفرنكوفونية في بلادنا العربية يتغنون “بالحملة الفرنسية” وما قدمته في مجال التنوير، مع أن سجل فرنسا في كل مكان احتلته، فعلت في أهله أبشع مما فعلت بالأزهري سليمان الحلبي، وفي 18 أكتوبر عام 1801م، رحل الجنرال مينو وجنوده عن مصر وهو الذي تولى بعد كليبر.

    في 28 يونيو عام 1882م بدأ الاحتلال البريطاني لمصر، وثار عليهم المصريون وقاوموا الاحتلال بكل الوسائل، وارتكب الانجليز جريمة الفرنسيين نفسها، حيث اقتحموا الأزهر الشريف في 11 ديسمبر أثناء ثورة 1919 نظرا لدور العلماء فيها، وكون الجامع الأزهر مركزا لها، ومنه خرجت مظاهراتها، لكن الانجليز اعتذروا عن جنايتهم في حق الجامع الأكبر، وسجلوا ذلك وكتبوه، ولم تعتذر فرنسا على تدنيسها للأزهر حتى الآن، ولا أظن أن مسؤولا سعى في ذلك أو طالب به، فلماذا لا ترتفع أصوات أصحاب الحق، مطالبين فرنسا بالاعتذار للأزهر الشريف؟

    الأزهر الشريف نابليون اعتذار فرنسا اقتحام

    مقالات