هل سأمنح صوتي لأردوغان؟
الدكتور محمد الصغير - عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رابطة علماء أهل السنةتحدث انتخابات حقيقية أو شكلية في كل الدول التي تؤمن بمبدأ تداول السلطة، لكن أستطيع الجزم بأنه لا تحظى انتخابات باهتمام عالمي إلا في الانتخابات الأمريكية والتركية، ولو لم يكن حزب العدالة والتنمية في السلطة، والرئيس أردوغان على رأسها، لكانت انتخابات تركيا شأنها شأن انتخابات جورجيا، أو غينيا بيساو على أحسن الأحوال، وهذا أول ما يحسب للطيب أردوغان ورفاقه، إذ جعل تركيا عنصرا فاعلا على المحيط الإقليمي والدولي، ورقما صعبا يصعب تجاوزه أو تهميشه، ولعل دوره كرمانة ميزان، في حرب روسيا وأوكرانيا خير مثال، فقد أحرز مكانة قلما تتكرر لزعيم، حيث أصبح محل ثقة المتحاربين، وملاذ كلا الطرفين، وهذا لعمري في ميدان الحرب ودنيا السياسة لشيء عظيم، فغاز روسيا لا تأمن عليه إلا أردوغان، وقمح أوكرانيا لا يصل إلى الأفواه إلا عن طريق أردوغان !
ولعل عامل اللغة يحجز الناخب التركي عن العالم الخارجي، أو ربما بعضهم لا يهتم بما هو خارج حدود الأناضول، فلا يدرك حجم تأثير تركيا الجديدة في الملفات الخارجية الكبرى، ولو أخذنا أمثلة قريبة لظهر لكل ذي عينين، ليست عليهما غلالة الحقد أو غشاوة الحسد، أن الرئيس أردوغان استطاع أن يُفشل مخططات دولية، وتحركات أممية تضر بمصالح حلفائه، أو تؤثر على مستقبل أصدقائه، وأبرز هذه المواقف موقفه المشرف مع قطر في أزمة 2017 واعتباره ذلك من باب رد الجميل لقطر لمواقفها السابقة في دعم تركيا، ونصرة قضايا الأمة، ويعد من أعظم ما يثقل ميزان أردوغان وقوفه إلى جوار مؤسسات الدولة في ليبيا، ووجوده كصمام أمان يمنع الاقتتال، حتى تعبر الدولة إلى الاستقرار بأمان، وكأني أسمع من يقول: إن ثروات النفط والغاز وراء هذا الانحياز، ويدحض ذلك أنه مع قطر انتصر للمبادئ، ووقف ضد من هم أغنى وأقنى، ولو كان موقفه مع ليبيا ماديا، فما الذي يجعله يقيم أكبر قاعدة عسكرية تركية في الصومال؟ ثم يحدو نهضتها ويؤذن بنفسه في افتتاح مساجدها، ثم إن ما قام به أردوغان في مساعدة أذربيجان على استعادة إقليم كاراباخ المحتل من أرمينيا منذ ثلاثين سنة، وخلال معاناة الناس من جائحة كورونا، يدلل على عبقرية القيادة، وأنه كما نقل أحد مساعديه، أنه في قضايا الحق والباطل لا ينظر في العواقب، وإلا فإن وقوفه مع أذربيجان جعله في المواجهة مع أمريكا وروسيا وفرنسا، ومن ورائهم إيران واليونان .
كل من زار تركيا أو يتابع أخبارها يدرك أن أعظم ما يكاد به أردوغان هو موقفه من الربيع العربي، ودعمه لتطلعات الشعوب إلى الحرية، ورفضه للظلم واستقباله للمظلومين والمطاردين، ومازال ملف أكثر من ثلاثة ملايين سوري استقبلهم أردوغان يُغمز به ويوظف ضده سياسيا واجتماعيا، ولكن الجزاء من جنس العمل، ولن يخزل الله من حقن الدماء وآوى الضعفاء، ولو كانت يد أردوغان مطلقة وأطماع ضباع الأرض بعيدة عن خيرات الشام، لرأينا فكرة المناطق الآمنة التي في الشمال السوري أوسع نطاقا وانطلاقا.
هذه الحقائق وأضعافها يدركها العالم الغربي جيدا، كما يدركون أن تركيا الجديدة بدأت تكتب صفحاتها في سجل التاريخ الحديث، كقوة صاعدة على كافة الأصعدة، وأن مشروع أردوغان ليس محليا قُطريا، وإنما تحكمه النظرة الأممية، لذا يكرر في كل محفل أن العالم أكبر من خمسة، وأن العالم الإسلامي لابد أن يكون له صوت في الأمم المتحدة، ونحن بدورنا لابد أن يكون لنا صوت في تأييد أردوغان، ولا يقتصر الصوت على الصوت الانتخابي في صناديق الاقتراع فحسب، فأنا لست تركيا ولا أحمل جواز سفر تركي، ولم أتنازل عن بوابة الحسنات التي تأتيني من وراء الجواز المصري وتبعاته، ومع ذلك فإن صوتي المسموع للرئيس أردوغان، وصوتي المكتوب يدعو لانتخاب أردوغان، وصوتي في كل صلاة يصعد إلى السماء بالدعاء له بالفوز والظفر،وأن يتم الله على يديه نهضة تركيا ورفعة مكانتها، المكانة التي يتمنى مثلها كل محب لبلده وموطنه.
الإعلام الغربي تخلى عن المهنية، ورمى خلف ظهره مبادئ الديموقراطية، وأصبح لا هم لهم إلا السعي لإسقاط أردوغان، ومن يتابع وسائل الإعلام هناك يظن أن الانتخابات في برلين وباريس، وليس في بورصة وغازي عنتاب، ومع هذه الشراسة في العداوة رأينا بعض من ارتبط مصيرهم ومشروعهم بأردوغان وحزبه، قد زادت عندهم نسبة الحكمة عن معدلها الطبيعي فالتزموا الحياد، والحياد في معركة الحق والباطل، خذلان للحق ومساندة للباطل، وأصدق ما قيل في هذا الصدد ما كتبه الصحفي البريطاني ديفيد هيرست: أن في حال سقوط أردوغان ستفتح زجاجات الخمر في كل عواصم الغرب، لذا علينا دعم أردوغان وإخوانه بكل ما نستطيع، حتى تعلو صيحات التكبير في بلاد المسلمين فرحا بانتصار أردوغان ونجاح تركيا.