فتيان صنعوا التاريخ - 7 - هارون الرشيد
رابطة علماء أهل السنةهو الخليفة العبّاسي الخامس أبو جعفر هارون بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، ولد في مدينة "ري" عام 149 هـ وتوفي في مدينة "طوس" عام 193 هـ .
عاش الرشيد طفولة هادئة ومستقرة في ظلّ رعاية والده وجده، وكان ممن تولى تربيته وتعليمه عالم النحو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي الكوفي المعروف (الكسائي)، الذي ظل معه حتى وفاته.
في عام 158 هـ توفي أبو جعفر المنصور وأصبح المهدي في منصب الخلافة ودفع بابنه هارون للتدرب على الفروسية والرمي وفنون القتال وهو ابن تسع سنوات.
وفي عام 163 عينه والده قائدًا في الجيش الذي يضم العديد من قادة الكبار وأمراء الدولة، وكان عمر هارون وقتها أربعة عشر عاما، وخرج الجيش إلى أراضي الروم وتوغل فيها وأظهر هارون براعة في قيادته وحاصر قلعة رومية اسمها «سمالوا» ثمانية وثلاثين يومًا حتى انتهى الأمر بفتحها، وعاد الرشيد بالجيش سالمًا محملًا بالغنائم، فاستقبله أهل بغداد وكافأه المهدي بتوليته بلاد أذربيجان وأرمينية.
وفي عام 165 هـ تزوج الرشيد ابنة عمه زبيدة بنت جعفر، وبعد الزواج بفترة قصيرة، أرسله والده المهدي لقيادة جيش آخر لغزو الروم، مكون من 95,793 رجل. وصل جنود الرشيد خليج البحر المطل على القسطنطينية، وكانت حاكمتهم يومئذ أيرين زوجة أليون الملقبة (أغسطه)، وهي وصية العرش لابنها قسطنطين البالغ من العمر تسع سنوات، فطلبت الصلح من الرشيد، بعد أن رأت القتل في الروم، على أن تدفع له سبعين ألف دينار كل سنة، فقبل ذلك منها وأرسلت معه الهدايا لوالده الخليفة المهدي وتعاهدت مع الرشيد على هدنة ثلاث سنين.
عاد هارون من تلك الغزوة إلى بغداد وقد فرح المهدي بانتصار ابنه وأطلق عليه لقب الرشيد، وأخذ له البيعة كولي للعهد بعد أخيه الأكبر موسى الهادي، فأصبح هارون الرشيد ولي العهد الثاني.
وفي عام 170 هـ، بويع الرشيد بالخلافة ليلة الجمعة التي توفي فيها أخوه موسى الهادي، وكان عمر الرشيد وقتها اثنتين وعشرين سنة، فقط 22 سنة، ليبدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، ارتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة الإسلامية، حيث بلغت إيرادات الدولة العباسية في عهده نحو 70 مليون و150 ألف دينار، ولقد أمسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الثانية والعشرين من عمرهِ، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها، حتى أنه كان يقول: يا أيتها الغمامة أمطري حيث شئتِ، فإن خراجكِ لي، ودامت ولايته مدة 23 سنة.
أخلاقه وعبادته
و كان رحمه الله عادلا متواضعا، يصلي في اليوم الواحد مئة ركعة، كما كان يتصدق من ماله كل يوم بألف درهم، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على ذنبه إذا وُعظ.
وكان عندما يحج يأخذ معه مئة من الفقهاء وأولادهم، وإذا عطّله الجهاد عن الحج، تكفّل بنفقة الحجاج وكسوتهم.
وقال أبو عبد الله محمد بن العباس المصري، سمعت هارون الرشيد يقول: طلبت أربعة فوجدتها في أربعة. طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته عند الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث.
وفاته
رأى هارون الرشيد قبل موته كفّاً بها تربة حمراء في منامه، وسمع أحدهم يقول: إن هذه تربة أمير المؤمنين، ثم مرض أثناء مروره بعد ذلك بطوس في طريقه إلى خراسان، فدعا خادمه ليحضر له من تربة الأرض التي نزل فيها، فأتاه يحمل تربة حمراء في يده، عرف عند رؤيتها أنها اليد ذاتها التي رآها في المنام، فأمر بحفر قبره، وقراءة القرآن كاملاً فيه، ثم حُمِل إليه فلما رآه قال: "إلى هنا تصير يا ابن آدم"، وبكى، ثم توفّي بعد ثلاث ليال ودفن هناك، وذلك في يوم 3 من جمادى الآخرة من عام 193هـ.
وروي عن الفضيل بن عياض أنه قال: (ما من نفس تموت أشد علي موتًا من أمير المؤمنين هارون، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره). فقال في ذلك أحد أصحاب الفضيل: (فكبر ذلك علينا فلما مات هارون الرشيد وظهرت الفتن، قلنا الشيخ كان أعلم بما تكلم).