الأحد 22 ديسمبر 2024 05:13 مـ 20 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    ماذا بعد إدانة الصين بـ”وصمة عار” تعذيب المسلمين؟!

    رابطة علماء أهل السنة

    لم يعد أمام الصين مهرب من العقاب بسبب الجرائم التي يرتكبها مسؤولون حكوميون بحق المسلمين من الإيغور والقازاق. بعد 4 سنوات من التحقيقات المتواصلة، خلص تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الذي أُعلِن الأربعاء الماضي في جنيف، إلى أن “الصين ارتكبت انتهاكات خطيرة بحق المسلمين، قد ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية”. تدخلت الصين لتعطيل صدور التقرير منذ عام، ومارست ضغوطا على المفوضة السامية ميشيل باشليه، لحجب التقرير نهائيا، مدعومة من 40 دولة.

    الصفعة الأولى

    وجّه التقرير صفعة للصين التي وظفت قدراتها الاقتصادية بين الدول الداعمة لها، وقوتها التصويتية بالأمم المتحدة، لمنع المفوضية السامية من الإعلان عن التقرير النهائي، إلا أنها فشلت في ذلك، قبيل رحيل ميشيل باشليه عن موقعها بساعات.

    واقعيا لم يأت التقرير بجديد، فقد أكد المؤكد، وتغاضى عن كثير، بعد أن حاولت “باشليه” إمساك العصا من المنتصف، أثناء جولتها في بيت التنين، في مايو/أيار الماضي، حينما زارت شينجيانغ (تركستان الشرقية)، للتثبت من التحقيقات التي نشرتها منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، والمفوضية السامية ذاتها، حول إقامة الحكومة الصينية معسكرات للعمل القسري، وسجون خاصة تمارس فيها أعمالا وحشية ضد المسلمين.

    خلص التقرير الذي أعده خبراء رافقوا ميشيل باشليه في زيارتها الرسمية -التي لاقت حينئذ معارضة دولية للخشية من قدرة بيجين على تهيئة المشهد لتضليل المفتشين الدوليين- إلى أن “الصين ارتكبت انتهاكات خطيرة ضد الأقليات المسلمة على أساس عرقي وديني في شينجيانغ، قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية”.

    وثّق التقرير حالات الاحتجاز التعسفي والتمييزي للإيغور، في إطار ادعاء الصين بأن لديها استراتيجية لمكافحة الإرهاب والتطرف، موضحا أن الحكومة تجاوزت تلك الاستراتيجية، وعملت على فصل العائلات وترحيلها إلى سجون جماعية، وقطعت الاتصالات البشرية بينها، وتسببت في معاناة العائلات والأقليات ذات الأغلبية المسلمة من غير الإيغور.

    أظهر التقرير أن نظام الاحتجاز في الفترة من 2017 إلى 2019، شمل أعدادا كبيرة للغاية، تشكل النسبة الغالبة من الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة، وكان قائما على “تهديدات أمنية متخيلة” تضمنت فرض قيود على الهوية والدين، والحق في الخصوصية والحركة.

    معسكرات التعذيب

    أشار التقرير إلى ممارسة السلطات الصينية انتهاكات الحقوق الإنجابية، بمنع المسلمات من الحمل والإنجاب، وإجهاضهن، وإجراء عمليات لإزالة الأرحام قسرا، بينما تسمح لغيرهن بالإنجاب. سلط التقرير الضوء على ما أدلى به 26 شخصا من بين 40 فردا استجوبتهم قافلة “باشليه”، إذ اعترفوا -في بيان مُفصَّل- بمعلومات عن معسكرات العمل القسري والتعذيب الجسدي والاعتداء الجنسي، الذي تمارسه الشرطة الصينية مع الرجال والنساء والأطفال، اعتبرت المفوضية أنها “تشكل جرائم دولية، لا سيّما الجرائم ضد الإنسانية”.

    أصاب التقرير-رغم لغته الهادئة- الحكومة الصينية بالهوس، ودفعت المتحدث باسم وزارة الخارجية إلى إصدار بيان من بكين، وآخر من مقر الأمم المتحدة بجنيف، في نفس وقت إعلان التقرير، يصفه بأنه “تقرير مهزلة خططت له الولايات المتحدة والقوى المناهضة للصين”.

    اعتبرت الخارجية الصينية أن التقرير “أداة سياسية ووثيقة مسيَّسة، تتجاهل حقائق تمتع شينجيانغ بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والازدهار الثقافي والوئام الديني، وعيش حياة سعيدة في سلام ورضا”.

    شي: لا نريد واعظًا

    جاء الرد على شاكلة ما يفعله الرئيس شي جين بينغ، منذ بدء التحقيق في جرائم حكومته التي وُصِفت بأنها تطهير عرقي ممنهج ضد المسلمين، حينما رفض مناقشة الأمم المتحدة لقضية حقوق الإنسان في الصين، واعترض على استقبال المفوضة السامية، لأنه “لا يحتاج إلى واعظ يدير رؤساء في دولهم”.

    عادة تُفضل الصين الجولات الجماعية للدبلوماسيين، باعتبارها دولة تجيد أدوات الدعاية والسيطرة على مواطنيها، عبر التقنية الحديثة والقبضة الأمنية الحديدية. وعندما أتمت ميشيل باشليه زيارتها، قالت الصحف الصينية إن المفوضة السامية “شاهدت شينجيانع الحقيقية”!

    من الواضح أن “باشليه” كانت تخشى رد فعل بكين العنيف، وتحدثت مع “شي” بلطف، ولذلك منحته عدة فرص بتأجيل زيارتها إلى شينجيانغ، إلى ما بعد دورة الألعاب الشتوية في فبراير/شباط الماضي، وأرسلت تفاصيل التقرير قبل إصداره إلى الحكومة، التي ردت عليه في 131 صفحة، بما يعادل ثلاثة أضعاف التقرير ذاته.

    قبل الرحيل

    كادت “باشليه” -التي رفضت التجديد لها في منصبها- تغادر دون الإعلان عن التقرير، بما دفع الولايات المتحدة و20 دولة إلى مطالبتها بإخراجه من الإدراج، قبل الرحيل بساعات. أدت الأزمة إلى زيادة اهتمام المجتمع الدولي بالتقرير، إما للوقوف مع الصين، أو رغبة في محاسبتها على جريمتها داخل النظام الدولي.

    خشيت المنظمات الحقوقية ألا يرى التقرير النور أبدا، ووصفت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أغنيس كالامارد تأخير صدور القرار منذ عام، بأنه وصمة عار على الأمم المتحدة. وقال المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش كينيث روث، إن الصين كانت مصممة على إلغاء تقرير ميشيل باشليه لأنها وجدت فيه “اتهاما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.

    مسلمون ضد الإيغور!

    تأتي الدهشة من وقوف أغلبية كاسحة من الدول العربية والإسلامية مع الصين، بل دفاعها عنها، وتبرير ذلك بمحاربتها للإرهاب، بينما أثبتت التحقيقات أن القمع والجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت على أساس عرقي، ولأنهم تحديدا مسلمون متدينون. وكشفت تحقيقات موثقة بالفيديو منذ عام، وأخرى صدرت الأسبوع الماضي، أن القتل خارج إطار القانون والتعذيب والقمع الوحشي داخل المعسكرات، شمل ما يزيد على مليون مسلم ومسلمة.

    وصف عمر قنات -المدير التنفيذي لمشروع الإيغور لحقوق الانسان- التقرير بأنه سيغيّر قواعد لغة الاستجابة الدولية لقضية المسلمين الإيغور. وقال في بيان -وقّعته 60 منظمة إيغورية في 20 دولة- إنه على الرغم من رفض الحكومة الصينية الشديد لما جاء في التقرير، فقد “اعترفت الأمم المتحدة بارتكاب جرائم مروعة”.

    أصبح في أيدي الإيغور نسخة من ملف إدانة الصين، إن لم يمكّنهم الآن من مساءلتها، فبالتأكيد سيحدث ذلك غدا، فالجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وسيُحاسَب المجرمون ولو بعد حين.

    المصدر : الجزيرة

    الصين انتهاكات الأقليات المسلمين الإيغور بكين حقوق الانسان

    مقالات