المرأة في السنة النبوية ( ١ ) يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام
الدكتور عادل الحمد رابطة علماء أهل السنة أمرنا الله عز وجل أنْ نتأسَّى برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١) [الأحزاب: 21]، ولا يَقتصر التَّأسِّي به في الشَّعائر التَّعبديَّة الظَّاهرة، بل فِي كلِّ شأن من شُؤون حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومِنْ ذلك ما يَتعلق بِحَياته فِي بيته، ومع أزوَاجه أمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن.
فقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعامل معهنَّ بأمثل صورة يتعامل بها الأزواج، وقد كان يُحاورهنَّ، ويَستمع إلى حديثهنَّ، ويُربيهنَّ على تعاليم الإسلام، ويُجيب على أسئلتِهنَّ، ويَتفاعل مع نِقاشِهنَّ له، مِنْ غير ضَجرٍ ولا مللٍ ولا غضب.
ولعلَّ مِنْ أبرز مَنْ كانت تُحاوره مِنْ نسائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، وهي الصِّديقة بنت الصِّديق.
وسأتناول في هذا الشهر المبارك؛ شهر رمضان من عام 1442 للهجرة، بعض الحوادث التي وقعت لأمِّنا عائشة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما فيها من حوارات أو توجيهات تربوية، أو غيرها من العبر.
ولعائشة رضي الله عنها مكانةٌ عظيمةٌ عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تجلت فِي أحاديثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفِي مواقفه العملية، وفِي غيرها، فمن ذلك:
أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ». (رواه البخاري). فهذا تصريح منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّ عائشة أحبُّ النَّاس إليه.
ومن حبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها أنه دعا لها بدعوة عظيمة، تقول عائشة رضي الله عنها: لمّا رأيت من النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نفسٍ؛ قلت: يا رسول الله، ادع الله لي، فقال: "اللهمَّ اغفر لعائشة ما تقدّم من ذنبها وما تأخَّر، وما أَسرَّت وما أَعلنت". فضحكت عائشة حتّى سقطَ رأسها في حجرها من الضَّحك، قال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيسركِ دعائي؟". فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك؟! فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والله إِنّها لدعائي لأُمتي في كلَّ صلاة". (رواه ابن حبان).
فَمَنْ مِنَّا لا يتمنَّى أنْ تُصيبه دعوة النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي يدعو بها لأمَّته، ودعا بها في دعوة خاصة لعائشة رضي الله عنها.
ومن حبِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة، أنه لا يقبل مِن أحدٍ أنْ يؤذيه في عائشة ولا بكلمة. جاء في حديث عروة بن الزبير أنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ، أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ، قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ لا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا». (رواه البخاري)
والذي يأتي بالوحي هو جبريل عليه السلام.
وجبريل يحب عائشة رضي الله عنها، فقد جاء مرَّة إلى النَّبي وعائشة بجانبه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ»، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى، تُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (رواه البخاري)
وجبريل لا يحبُّ أحدًا إلا إذا أحبَّه الله، فقد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ". (رواه البخاري).
فحبُّ جبريل لعائشة رضي الله عنها نابع من حبِّ الله لها، فهنيئا لعائشة محبَّة الله لها، ومحبَّة جبريل لها، ومحبَّة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها.
وإنا نحبُّ من يحبُّه الله ورسوله، فنحن نحبُّ عائشة ونترضَّى عليها، ونحبُّ من يحبُّها، ونبغض من يبغضها. وهذه وصيَّة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة رضي الله عنها.
تقول عَائِشَة رضي الله عنها: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، وَأَنَا سَاكِتَةٌ، قَالَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟» فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ «فَأَحِبِّي هَذِهِ» قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالَتْ، وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَ لَهَا: مَا نُرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ، فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولِي لَهُ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا. (رواه مسلم)
اللهم اجعلنا ممن يحبون أزواج نبيك ويذبون عن أعراضهن.
والحمد لله رب العالمين