تيه الدموع
الشيخ بشير بن حسن رابطة علماء أهل السنةمنذ أن تتالت الفتاوى الشرعية ، من شخصيات أو هيئات علمية معتبرة ، تدعو إلى ضرورة تعليق صلاة الجماعة والجمعة ، إلى أن يرفع الله بلاءه ، ورغم تضمن تلك الفتاوى إلى الدليل والتعليل ،والتي جمعت بين فقه التأصيل والتنزيل، إلا أنه وإلى هذه الساعة ، وبخاصة في هذا اليوم ، لا يزال أناس يتباكون على إغلاق المساجد ، و يتأسفون على هذا الوضع الاستثنائي ، وهم في الحقيقة معذورون من جهة العاطفة الدينية التي قد تطغى على العقل و تتعامى عن رؤية النقل ، ولكن بات الأمر مبالغًا فيه ،و أرى أن بوصلة دموعهم وتباكيهم قد تاهت كثيرا ،
وذلك أنهم :
يتباكون على مساجد قد خوت من عمّارها مؤقتًا ولا يبكون على مستشفيات خاوية من المعدات والأدوات، التي تنقذ أرواح الخلق !
يتباكون على مساجد أنفق عليها أموال طائلة في زخرفتها ونقوشها ، ولا يبكون على مصحّات تفتقر إلى أبسط أدوات الاسعاف!
يتباكون على مساجد أكثرها ( لا كلها ) قد تعطّلت رسالتها ، التوعوية والتثقيفية ، و لم يحسن خطباؤها الا تسويق الخطاب الكهنوتي “الميتافيزيقي ” ، الذي هو شبيه بخطاب كهنة القرون الوسطى ، حيث لا يجيدون من خلاله إلا الحديث عن الروحانيات ، والأخرويات ، دون التطرق للمشكلات الحارقة للمجتمع ، والتي جاء الإسلام ببيان حلولها ، حتى استقر في أذهان أكثر المسلمين أن الدين دين الموت وليس دين الحياة ، فكان هؤلاء الخطباء عونًا على النفرة من الدين واحتقاره ، و تغلل الفكر الإلحادي المادي في الأمة !
يتباكون على مساجد قد حولها طغاة العرب إلى أبواق تشرّعن وتبيّض سياستهم الفاسدة الظالمة ، فصار كثير منها أشبه بمساجد الضرار ، وأخرى في بلاد الغرب هي عبارة عن سفارات وقنصليات موازية ، تعمل على تكريس عروش الظلم والاستبداد في بعض بلاد المغرب العربي !
ولا يبكون على خلو بيوت الأبطال والأبرار و الصادقين من رجالاتها ، الذين يقبعون في غياهب الزنازن ، لا لشيء إلا لأنهم قالوا كلمة حق عند سلطان جائر !
يتباكون على مساجد لا تقدم في أغلبها بعد الصلوات الخمس إلا الصراعات الفكرية والفقهية ، والجدل البيزنطي العقيم ، ولم تقدم أي نوع من أنواع العلوم النافعة للانسانية كما كانت في عهد الأندلس !
ولا يبكون على خلو كثير من جامعاتنا من الكفاءات و العباقرة الذين هُجّروا بعد احتقارهم والاستخفاف بهم ، وها نحن نقف طوابير ننتظر علماء الغرب أن يمدونا بجرعة اللقاح لفيروس كورونا القاتل ….
هكذا تتباكون كالثكالى ، ولا والله لا أبكي ولن أبكي على تلك المساجد ، ولا على خطبها ولا على شيء فيها ، لأنني عقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله( فحيثما كنت فادركتك الصلاة فصل فقد جعلت لي الأرض كلها مسجدا )
لا أبكي ولن أبكي ، بعدما عقلت قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قيل له ( ألا تكسو الكعبة المشرفة بكسوة من حرير ؟ فقال الفقيه الإنساني : بطون جياع المسلمين أولى من كسوة الكعبة ) .
لا لن أبكي على خطب الرياء والتمثيل ، أو خطب التحريض أو للتنويم ، التي ما نفعت المسلمين في شيء غير مزيد من التخلف والجهل و التطرف ، بل أبكي على غياب مراكز البحوث العلمية ، في مثل هذه الأزمة الخطيرة ، وقلة وسائلها .
بل والله و لا ولن أبكي على خلو المسجد الحرام ولا المسجد النبوي ، اللذان تحول منابرهما إلى بوق للدعاية السياسية ، و أداة في أيدي خونة القبلة الأولى و الضالعين في صفقة القرن الزائفة ، أم نسيتم كذب السديس! ودجل بقية الجوقة وتدليسهم للحقائق ، مع أن ظهورهم لاصقة لبيت الله الحرام! لم ولن أنسى ذلك النفاق الذي عجت به منابر الحرمين الشريفين ، حاشى الصالحين المخلصين .
فابكوا إن شئتم حتى تنقطع منكم الدموع ، أما أنا فلن أبكي لبكائكم ، وما بكائي إلا على وضع أمتنا في كل وقت وبخاصة في هذه المرحلة الخطيرة .
وأعلم أن كلامي قاس و شديد على الذين تغلبهم العاطفة الدينية ، وممن لا يعجبهم هذا الطرح ، لكن لا يهم !!
وحسبنا الله ونعم الوكيل .