ماذا لو أُغلقت المساجد ورُفع القرآن ... ما الفرق ؟!!!
الأستاذ أشرف ربيع رابطة علماء أهل السنةصدمني للوهلة الأولى سؤال طرحته إحدى القنوات التلفزيونية على ضيوفها، ماذا لو رٌفع القرآن ؟
ماذا لو استيقظت صباحا لتقرأ الورد القرآني فوجدت المصحف صفحات بيضاء، وحاولت أن تسترجع شيئا مما تحفظ فوجدت أنّك نُسّيت كل شيء، وحاولت الاستعانة بالحفظة فوجدت أنهم مثلك تماما ؟؟؟؟؟
رفع الله القرآن من الصحف والصدور، وأصبحت أمّة محمد بلا كتاب؟
وبالطبع فوجيء الضيوف بالسؤال، ومنهم من قال سأموت ومنهم من بكى ومنهم ..... إلى آخر ردود الأفعال المتوقعة.
ولكن عندما فكّرت لحظات في الأمر، وجد أن الفارق، وفقا لحال أمتنا، غير كبير.
فالقرآن بمعناه الحقيقي الذي أراده الله عز وجل، غير موجود في واقعنا.
فالقرآن غير محكّم في حياتنا، قال تعالى : وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) المائدة
والقلوب التي تتلقى هذه الكلمات وتتفاعل معها، غير موجودة.
كقلب سيدنا عمر عندما يسمع قول الله عز وجل : إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) الطور، فيخر مغشيا عليه، ثلاث أيام يُعاد ولا يدري الناس ماذا حدث لأمير المؤمنين.
وكأبي الدحداح الذي يسمع : مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة، فيسارع بقوله عندي حائطان ( حديقتان ) أُقرض الله أحسنهما، فينفق بدون تفكير، بمجرد أن يسمع الآية.
بل والحياة كلها تهون، أمام لحظة في الجنة التي كانوا يسألون الله عز وجل وكأنهم يرونها.
فنجد الشيخ السبعيني الأعرج، سيدنا عمرو بن الجموح، يقسم : تالله لأطئنّ الجنة بعرجتي هذه، وينطلق مجاهدا في سبيل الله.
وسيدنا عبدالله بن رواحة يقول : أو بيني وبين أن أدخل الجنة أن آكل هذه التمرات، إنها لحياة طويلة، فيلقي بها وينطلق للشهادة.
وأصبح القرآن في حياتنا مجرد كلمات تًقرأ لنأخذ بها الحسنات، لكل حرف حسنة والحسنة بعشرة أمثالها، وهذا مع إحسان الظن، بأن المسلمين يقرأون القرآن، فمعظم المسلمين علاقتهم بالقرآن أصبحت هذه الآيات التي يقرأها القاريء في المآتم، أو بعض الآيات التي تًقرأ في بداية الاحتفالات للبركة.
أما الأخذ بالقرآن على أنه دستور حياة، فقد أصبح هذا المعنى غير موجود.
لذلك عندما نفكر في السؤال مرة أخرى، نجد أنه يجب أن يتغيّر ليصبح :
- متى نفيق من غفلتنا ونتذكر أن ما بين أيدينا هو كلام الله ؟
- ما هو الواجب فعله لنعيد إحياء قلوب ماتت، لنقترب من قلوب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟
- ما هي الخطوات العملية لنعود خير أمّة، كما قال تعالى : كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) ؟
وإن كانت هذه الكلمات للتذكرة والتنبيه، فبعد الأزمة الحالية وصدور قرار إغلاق المساجد بسبب فيروس كورونا، وكيف أن الكثيرين ممن لم يعتادوا المساجد، استنكروا وحزنوا وتعليقات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، تفيد هذه المعاني.
أقول : كما أُغلقت المساجد التي هجرتموها طويلا، وأنتم الآن نادمون على رحمة قد حجبت ولو لبعض الوقت، عودوا إلى مصاحفكم، واقرأوها بالقلوب قبل العقول، وليحسب كل منا مقدار الفجوة بين ما كان يجب أن تكون عليه حياته وفقا للقرآن وتوجيهاته، وبين ما هي عليه الآن، ويحاول إزالتها أو تقليلها على الأقل.
وإن كانت أبواب الرحمة ( المساجد ) قد أغلقت لظرف خاص ولبعض الوقت، فمن الممكن أن تغلق الأبواب كلها، عندما يغلق باب القبر علينا، وينتهي وقت التوبة ووقت العمل بلا حساب، ويبدأ وقت الحساب بلا عمل.
قال تعالى : فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) الذاريات.