الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 01:56 صـ 21 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    البناء أولا والتحصين ثانيا 

    رابطة علماء أهل السنة

    البناء أولا والتحصين ثانيا 

    بقلم د. سعد الكبيسي 

    من مداخل الشيطان الخفية الإخلال بالمنهج الحق من خلال "الانشغال بمقاومة الآخر على حساب بناء الذات وعدم معرفة الأولويات في ذلك وافتقاد التوازن في الجهد المطلوب".
    ودليل ذلك ما نراه من الجهد المعرفي المطروح والجهد الميداني المبذول الذي يكشف هذا الخلل.

    والمنهج العام الذي نريد توضيحه هو أن الاسلام اعتنى ببناء الذات فردا وجماعة ودولة وأمة أولا، واعتنى بتوضيح حقيقة العدو وطبيعة الصراع معه وسبل مقاومته ثانيا.
    وبتعبير مختصر: " التحدي الحقيقي يكمن فيما تريد لا فيما لا تريد". 

    والاختلال الحاصل هو قلب هذه المعادلة والمنهج لتستهلك في نطاق التحصين بدل البناء، ونطاق الدفاع بدل المبادرة،
    ونطاق الانشغال بانجاز العدو بدل الانشغال بانجازك.

    لقد شغل أقوام أنفسهم في مقاومة الآخرين، فلما حان دورهم ليحلوا محلهم كان البناء الذاتي لهم قاصرا، فأصبح كمن فتح مصنعا وانشغل بما ينتجه الآخرون دون إنتاج ذاتي خاص فاستهلكته المنافسة عن الانتاج.

    إن نصوص البناء العقائدي والمعرفة بالله للمسلم أكثر بكثير جدا من نصوص التحذير من الشرك والاخلال بالتوحيد والعقيدة لان هذه النصوص حماية لبناء العقيدة.

    وإن نصوص الأوامر أكبر بكثير جدا من نصوص النواهي فنصوص إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مثلا  أكثر بكثير جدا من نصوص التحذير من تركهما لأن التحذير حماية لوجودهما.

    إن نصوص بناء الأمة المسلمة أكثر بكثير جدا من نصوص الجهاد لأن الجهاد مشروع حماية لوجود الأمة.

    وإن الأمر بالمعروف مقدم دائما في النصوص على النهي عن المنكر لأن الثاني حماية للأول.

    وإن جهد النبي صلى الله عليه وسلم في بناء أمة وكيان أكبر بكثير جدا من جهده في صراعه مع الأعداء.

    ليكن معظم اهتمامك وجهدك في بناء العقيدة في نفوس الناس اولا، ثم تحصينها مما يشوبها ثانيا،
    فهو الذي سيجعل المتعلم يصمد فيقول: "ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا".

    وليكن معظم اهتمامك وجهدك في غرس القيم التربوية في ابنائك ومن حولك اولا ثم التحذير والحماية مما يفسدها من فساد قيمي وأخلاقي ودعوات إباحية ثانيا
    فهو الذي سيجعل المتربي يصمد امام الفتن فيقول: "معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي"

    وليكن معظم اهتمامك وجهدك اولا في استقلالية سياستك وصناعتك وزراعتك واقتصادك اولا ثم في معرفة ومقاومة من يريد تبعيتك واستغلالك وإضعافك ثانيا
    وعندها "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم"

    يريد الله منك أن تؤدي ما عليك وسيبارك في ذلك وأن لا تنشغل إلا بقدر معين محدود بمنافسيك وأعدائك
    والله تعالى هو الذي قال: "وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا" 
    أي أد ما عليك والله هو المتكفل بعدوك.
    وهو الذي قال: "إن الله لا يصلح عمل المفسدين"
    اي لا يكمله وبالمقابل فان الله سيصلح ويكمل عمل المصلحين.

     وها هنا سؤال: 
    هل المقصود هو التتابع الزمني بمعنى ان عملية التحصين بعد البناء ؟
    فاقول: لا إنما يسيران بالتوازي من حيث الجهد لكن البدء بالبناء من حيث المنهج فأنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في الوقت نفسه لكن الأولوية والجهد الأكبر للأمر بالمعروف.

     الخلاصة :
    إذا كانت دفاعاتك الداخلية في العقيدة والتربية والسياسة والاقتصاد والثقافة متهاوية فلا تتوقع ان مقاومتك ستصمد طويلا.
    وإذا كان بناؤك مهدما فلا نفع في بناء الأسوار
    فالأولوية وحجم الاهتمام والجهد لبناء الذات اولا ولتحصينها ثانيا.

    البناء أولا التحصين التربية البيئة الداخلية الخارجية

    مقالات