السبت 23 نوفمبر 2024 11:02 صـ 21 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون ... الإسلام والرق

    رابطة علماء أهل السنة

    جاء في الفقرة (هـ) من المادة الثانية من حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة: حق التحرر من الاستعباد والرق، ومنع الاتجار بالإنسان.

    وجاءت هذه الفقرة لتؤكد ما أمر به الإسلام من تضييق على الرق، وتسوية الإسلام بين الأرقاء والسادة في الحقوق المدنية، وحض على العتق بحيث جعله كفارة لعدة ذنوب، كالقتل الخطأ والحنث باليمين. قال تعالى: (ومن قتل مؤمناً فتحرير رقبة مؤمنة). وقال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب).

    وقال عليه الصلاة والسلام: ((ومن لطم عبده على وجهه فكفارته عتقه)). وقال: ((أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون)).

    وقال (أنس بن مالك): خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فو الله ما قال لي: أف قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا.

    الإسلام وأهل الذمة

    جاء في الفقرة (ب) من لمادة الثانية: (الحق في المساواة، وعدم التمييز بين الأفراد بسبب العنصر أو الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي أو الثروة أو المولد أو الأصل الوطني والاجتماعي).

    وما جاء في هذه الفقرة أكدته شريعة الإسلام. فقد أقام الإسلام علاقة وطيدة بين مواطنيه من مسلمين وغير مسلمين، مبنية على التسامح، والعدالة، والبر، والرحمة، والإيثار والتكافل.

    وأساس هذه العلاقة قول الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). وقول الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). وقوله: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن). وقوله: (وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم، وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان). وقوله: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين). وقوله: (وقل آمنت بما أنزل الله من الكتاب، وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير).

    ولعلَّ أعظم دستور سنَّ وصيغ في هذا المقام هو الدستور الذي أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم لدولته الفتية في المدينة المنورة، وبيّن فيه الحقوق والواجبات لكل من كان يعيش في المدينة من مسلمين وأهل ذمة ومشركين، وماهية العلاقة التي تربط بينهم، ولأهمية هذا الدستور نورده كما نقلته لنا الوثائق السياسية:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    هذا كتاب من محمد النبي، رسول الله، بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم.

    أنهم أمة واحدة من دون الناس.

    المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يَفدُون عانِيَهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

    ثم يتحدث الدستور عن كل بطن من بطون أهل يثرب من حيث العلاقة والمعاملة والمواطنة.. إلى أن ينتقل إلى يهود مكة فيقول:

    وأنه من تبعنا من يهود، فإن له النصرة والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر عليهم.

    وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

    وان يهود بني عوف مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يُتِغ إلا نفسه وأهل بيته.

    وان ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.

    وان ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.

    وان ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.

    وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.

    وان ليهود بني الوس مثل ما ليهود بني عوف.

    وان ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم واثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.

    وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.

    وأن بني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وأن البر دون الإثم.

    وان موالي ثعلبة كأنفسهم.

    وأن بطانة يهود كأنفسهم.

    وأنهم لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد.

    وأنه لا ينحجز على ثأر جرح، وانه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وأن الله على أبر هذا.

    وان على اليهود فقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.

    وانه لا يأثم امرؤ بحليفه، وأن النصر للمظلوم.

    وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ما اموا محاربين.

    وان يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.

    وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.

    وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.

    وانه ما كان بين أهل هذه لصحيفة من حدث، أوشجار يخاف فساده، فإن مرده إلى اله وغلى محمد رسول اله (صلى اله عليه وسلم)، وأن الله ل تقى ما في هذه الصحيفة وأبره.

    وان يهود الأوس ومواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة من البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وأن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وان اله عل صدق ما في هذه الصحيفة وأبره.

    وانه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وانه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وان اله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله (صلى اله عليه وسلم).

    وجاء في الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً)).

    لقد جعل الإسلام لأهل الذمة حقوقاً ورتّب عليهم واجبات. ومن هذه الحقوق: حق الحماية من العدو الخارجي، وحق الحماية من الظلم الداخلي. وجاءت أحاديث خاصة تحذر من ظلم غير المسلمين من أهل العهد والذمة.

    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ظلم معاهداً، أو انتقصه حقاً أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة)). وقال:((من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة)). وقال: ((من آذى ذمياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله). وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران أنه ((لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر)).

    ونص عهد عمر بن لخطاب إلى أهل إيلياء -القدس- على حريتهم الدينية، وحرمة معابدهم وشعائرهم: (هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملتها، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبها، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء مع أحد من اليهود).

    وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات: (ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاؤوا من ليل أو نهار، إلا في أوقات الصلاة، وأن يخرجوا الصلبان في أيام أعيادهم).

    وأجاز فقهاء المسلمين لأهل الذمة إنشاء الكنائس والمعابد في الأمصار الإسلامية، فقد بنيت في مصر عدة كنائس في القرن الأول الهجري، مثل كنيسة (مار مرقص) بالإسكندرية ما بين عامي(39 و 56هـ/659و676م)، كما بنيت أول كنيسة بالفسطاط في حارة الروم في ولاية (مسلمة بن مخلد) على مصر بين عامي (47و68هـ/667و687م). كما سمح (عبد العزيز بن مروان) حين أنشأ مدينة (حلوان) ببناء كنيسة فيها، وسمح كذلك لبعض الأساقفة ببناء ديرين.

    يقول الإمام ابن حزم: (إن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونهم، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك، صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة).

    وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يكلم (قطلوشاه) عند تغلب التتار على الشام في إطلاق الأسرى، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق سراح أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة، فما كان من الشيخ إلا أن قال: لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسرى من اليهود والنصارى فهم أهل ذمتنا، ولا تدع أسيراً، لا من أهل الذمة، ولا من أهل الملة. فلما رأى إصراره وتشدده أطلقهم له) وكان أمير المؤمنين عمر يسأل الوافدين عليه من الأقاليم عن حال أهل الذمة، خشية أن يكون أحد من المسلمين قد أفضى إليهم بأذى فيقولون: (ما نعلم إلا وفاء) أي بمقتضى العهد.

    وقد أكد فقهاء المسلمين بأن (ظلم الذمي أشد من ظلم المسلم إثماً). وذهب فقهاء المسلمين (الشعبي، والنخعي، وابن أبي ليلى، وعثمان البتي، وأبو حنيفة وأصحابه) إلى أن المسلم يقتل بالذمي، لعموم النص الموجبة للقصاص من الكتاب والسنة، ولاستوائهما في عصمة الدم المؤبدة، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلما بمعاهد، وقال: ((أنا أكرم من وفّى بذمته)).

    وروي أن علياً أتى برجل من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة، فقامت عليه البينة، فأمر بقتله، وقال: (إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا).

    وقتل رجل مسلم رجلاً من الأقباط غيلة فأمر إبانة بن عثمان - وكان والياً على مصر - بقتله فقتل.

    وقال الفقهاء: (فمن سرق مال ذمي قطعت يده، ومن غصبه عزر، وأعيد المال إلى صاحبه، ومن استدان من ذمي فعليه أن يقضي دينه، فإن مطله وهو غني حبسه الحاكم حتى يؤدي ما عليه).وبلغ من رعاية المسلمين لحرمة أموال الذميين وممتلكاتهم، انه احترم ما يعدونه - بحسب دينهم - مالاً، وإن لم يكن مالاً في نظر المسلمين، كالخمر والخنزير اللذان لا يعتبران عند المسلمين مالاً متقوماً، ومن أتلف لمسلم خمراً أو خنزيراً لا غرامة عليه ولا تأديب، بل هو مثاب مأجور على ذلك، ولا يجوز للمسلم أن يمتلك هذين الشيئين لا لنفسه ولا ليبيعها لغيره. أما الخمر والخنزير إذا ملكهما غير المسلمين فهما مالان عنده، بل من أنفس الأموال، كما قال فقهاء الحنفية، فمن أتلفهما على الذمي غرم قيمتهما.

    المصدر : رابطة العلماء السوريين

    حقوق الإنسان الشريعة القانون الإسلام الرق

    مقالات