”الإله في القرآن”.. باحث مسيحي يناقش الألوهية في الأديان السماوية
رابطة علماء أهل السنة
نشرت صحيفة نيويورك تايمز عرضا لكتاب حاول الإجابة عن عدد من الأسئلة حول مفهوم الألوهية في الديانات السماوية الثلاث: الإسلام واليهودية والمسيحية.
وقال الباحث بمعهد كاتو في واشنطن مصطفى أكيول، في استعراضه لكتاب "الإله في القرآن" لمؤلفه جاك مايلز، إنه "مقروء على نطاق واسع، ويقدم دراسة مقارنة غير منحازة برؤية ثاقبة وأسلوب أنيق".
ويبين مايلز -وهو مؤلف أميركي مسيحي يكتب في قضايا الدين والسياسة والثقافة- أن الديانات التوحيدية الثلاث تؤمن بالإله نفسه، وإن اختلفت في التناول وتفاوتت علوم توحيد لديها.
ويقول مايلز إن المتكلم في القرآن هو الله تعالى "الذي يعرّف نفسه على أنه الرب الذي يعبده اليهود والمسيحيون ومؤلف كتبهم المقدسة".
ولهذا السبب نجد أن القرآن الكريم يردد -وإن بتفاصيل أقل- نفس القصص التي يرويها الإنجيل عن يهوه وتدخلاته في التاريخ البشري، ويهوه هو اسم الإله المذكور في العهد القديم الذي يحتوي على النصوص المقدسة لليهود بما فيها التوراة.
اختلافات طفيفة
ولعل الاختلافات البسيطة بين تلك الروايات ليست سوى فروق دقيقة ذات مضامين كبيرة، بحسب الباحث أكيول.
وضرب مايلز في كتابه مثالا على ذلك قصة النبي إبراهيم عليه السلام التي تحتل مكانة مركزية في القرآن، وفي العهدين القديم والجديد اللذين يحتويان على النصوص المقدسة لدى كل من المسيحيين واليهود.
ويشير مايلز إلى أن إنجيل المسيحيين يقدم إبراهيم على أنه أب لأمة عظيمة سيكثر الله نسلها ويورثها أرضا مقدسة، ففي سفر التكوين -وهو أول أسفار التوراة- يقول يهوه: "لنسلك أُعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات".
أما القرآن، فيقول مايلز إنه يشدد على أن إبراهيم بطل التوحيد العظيم في وجه الوثنية، وأن مهمته الكبرى كانت تحطيم الأصنام.
ويصف مؤلف كتاب "الإله في القرآن" يهوه بأنه "إله الخصوبة"، بينما "الله هو الإله المعبود"، بما يعني أنه الإله الواحد المعبود.
وقصة موسى عليه السلام ترد في القرآن الكريم والكتاب المقدس بفروق دقيقة هي الأخرى، فرسالة النبي موسى الكبرى -بحسب الكتاب المقدس- هي إنقاذ بني إسرائيل من نير فرعون وجوره، بيد أن المعضلة الرئيسية التي واجهته -بحسب القرآن- تكمن في أن فرعون وشعبه كانوا يعبدون آلهة "مزيفة".
ويلاحظ مايلز أن يهوه "يريد هزيمة فرعون"، وذلك لأنه "لم يكن ينوي أن يصبح إلها لمصر". وعلى النقيض، فإن الله يريد أن يهدي فرعون إلى سواء السبيل ويجعل كل المصريين موحدين.
لاهوتية المسيحية
ثم ماذا عن المسيحية؟ يقول أكيول في عرضه، إنها على ما يبدو -كما الإسلام- جعلت من فكرة التوحيد اليهودية عالمية الطابع، غير أن المسيحية أدخلت عنصرا لاهوتيا جديدا إلى المشهد يتمثل في "ألوهية المسيح وعقيدة التثليث" التي لم تجد القبول في الديانتين اليهودية والإسلامية.
وفي الفصل الذي يقارن فيه بين القرآن والعهد الجديد (كتاب المسيحيين المقدس)، يشرح مايلز كيف أن الإسلام يرفض اللاهوتية المسيحية، بينما يظهر احتراما عظيما للمسيح عيسى عليه السلام وأمه مريم البتول.
ويرى مايلز أيضا أن ثمة "تماثلا رائعا" يتجلى في الكيفية التي جمع فيها الإسلام بين نقد اليهودية للاهوتية المسيحية ومأخذ المسيحية على الخصوصية اليهودية.
ويبين كتاب مايلز فوارق أخرى بين صفات يهوه والله، فإله اليهود (يهوه) يعطي الانطباع بأنه "قابل للطعن في ألوهيته ومطلق الوجود وقاهر ولكن بكيفية أقل".
وعلى الجانب الآخر فإن الله عند المسلمين "رحمن رحيم". وبينما يعد الله المؤمنين بثواب عظيم وعقاب في الآخرة، يركز يهوه في وعده ووعيده على هذه الحياة الدنيا.
ولم يغفل مايلز أن يذكر قرّاءه بأن الإنجيل هو كتابه المقدس وأن القرآن كتاب المسلمين، إلا أنه مع ذلك لا يجد مندوحة في تأكيد أن غير المسلمين لن يجدوا "صعوبة كبيرة في الوثوق بجارهم المسلم واعتباره شخصا ينتمي إلى ديانة -رغم كل شيء- ربما لا تفتقر إلى المنطق"، على حد تعبيره.
ووفقا لمايلز، قد ينتاب غير المسلمين ممن يجدون وقتا لقراءة القرآن شعور بالحيرة، ذلك لأنهم سيقرؤون الكثير عن الأنبياء إبراهيم وموسى ويوسف وعيسى، لكنهم لن يجدوا الشيء الكثير عن نبي الإسلام محمد، فالقرآن الكريم رغم أنه يخاطب محمدا إلا أنه لا يتحدث عنه كثيرا.