توقف البحث عن الجثة.. اغتيال خاشقجي يدخل مرحلة جديدة
رابطة علماء أهل السنة
انقطع أي أمل في العثور على جثة الصحفي السعودي القتيل جمال خاشقجي، ووصل المحققون الأتراك إلى الخلاصة النهائية الصادمة لمشاعر عائلته وأحبابه؛ لقد تم تقطيع جثة الرجل وإذابتها بالكامل، وبناء على ذلك أوقفوا رحلة البحث عن الجثة التي بدؤوها قبل 38 يوما.
إيقاف البحث عن الجثة واليقين الذي وصل إليه المحققون الأتراك باستحالة الوصول إليها؛ يعني أن ملف خاشقجي وقضيته التي هزت العالم خلال الأسابيع الماضية انتقلت بدءا من اليوم إلى محطة جديدة ذات ملامح مختلفة وعناوين مختلفة.
من المسؤول؟
طيلة الأسابيع الماضية كان السؤال الذي يتردد على ألسنة الجميع: أين جثة خاشقجي؟ ورغم ضغوط الأتراك وتوسلات العائلة لم يكشف الطرف السعودي عن مكان الجثة، واختار بدل ذلك أن يلوذ بصمت طويل.
على الأرجح سيتراجع حضور هذا السؤال خلال الفترة القادمة، ليتصدر سؤال آخر بدلا منه، بعد أن بات من شبه المؤكد أن الجثة قطعت وأذيبت بالكامل، وأن فرضية تسليم الجثة لمتعاون محلي –التي توارى خلفها الطرف السعودي في مرحلة ما، هروبا من مواجهة سؤال أين الجثة- باتت جزءا من الماضي.
ينتظر أن يتصدر سؤال المسؤولية بدل سؤال الجثة في الأسابيع القادمة، في ظل دفع تركي قوي عبر تسريبات متنوعة تتوالى ككرات اللهب واحدة بعد أخرى، وبفاصل زمني يضمن للأتراك مستوى عاليا من التأثير السياسي والأمني على القرار السعودي وإرباكه في حال اتخاذه أي خطوة لمواجهة سؤال وأزمة خاشقجي المقتول في قنصلية بلاده.
كما تضمن هذه التسريبات -وفقا للمخطط التركي في ما يبدو- سوْق الأدلة وحصر دائرة الاتهام في ما يخص المسؤولية –لا التنفيذ- في ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وتواترت التسريبات والتصريحات التركية في الآونة الأخيرة على اتهام محمد بن سلمان بشكل مباشر أحيانا، وغير مباشر في أغلب الأحيان، بالمسؤولية عن توجيه الأمر بقتل خاشقجي، وحرص أردوغان أكثر من مرة على تبرئة ساحة الملك سلمان بن عبد العزيز، في حين أكد أن القتلة ارتكبوا الجريمة بتوجيه من مصادر عليا في الحكومة السعودية، وهو ما يعني ضمنا أن من أصدر الأمر هو محمد بن سلمان.
عناوين سياسية
إذا كانت المراحل الماضية من أزمة خاشقجي غلب عليها الطابع الإنساني والجنائي؛ فمن المرجح أن تمثل التداعيات السياسية العنوان الأبرز للمرحلة القادمة من أزمة خاشقجي.
ويسعى المسؤولون الأتراك -سواء عبر التصريحات أو من خلال التسريبات المتتالية- إلى تحقيق مستوى عال من التحكم في مسارات وتداعيات قضية خاشقجي عبر فترات زمنية تتسم كل واحدة بطابع مختلف؛ ففي الأسابيع الأولى كان الطابع الإنساني هو الأكثر حضورا وتأثيرا، وفي المرحلة الوسطى وبالتوازي مع تصعيد الأبعاد الإنسانية لكارثة القتل والتقطيع كان التركيز أيضا على البعد الجنائي مع تخفيف الشحنة السياسية، وتضمنت هذه المرحلة تعاونا مع الجانب السعودي سمح بفتح أبواب القنصلية ومنزل السفير للتفتيش، وإن بشكل متأخر وبعد طمس معالم وآثار جريمة القتل.
واليوم، وبعد أن أخذ الجانب الجنائي في القصة مداه، ينتظر أن تتحول بوصلتها نحو الدائرة السياسية تصعيدا أو تسوية.
ويبدو من خلال المؤشرات والقرائن أن الأتراك ما زالوا رافضين أي نوع من التسويات مع الطرف السعودي، رغم الضغوط التي تعرضوا لها في الأسابيع الماضية، ورغم محاولات الاستمالة عن طريق الوعود الكثيرة التي قدمت لهم من قبل الجانب السعودي، وفقا لتسريبات تناقلتها وسائل إعلام عديدة.
وينتظر أن تدخل الضغوط السياسية على السعودية مرحلة جديدة بعد لقاء الرئيسين التركي والأميركي بعد أيام قليلة؛ إذ ينتظر أن يمارس أردوغان مزيدا من الضغط على ترامب من أجل اتخاذ إجراءات أقوى ضد حليفه محمد بن سلمان.
واستبق ترامب هذا اللقاء المنتظر بقوله إنه يعمل بشكل وثيق مع الكونغرس وتركيا والسعودية بشأن قضية خاشقجي، بهدف بلورة موقف وصفه بالقوي للغاية، وإنه سيعلنه خلال أسبوع.
وستكون التطورات الجديدة في الولايات المتحدة بعد فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب عاملا ضاغطا على ترامب لاتخاذ موقف أقوى تجاه الحليف السعودي.
ماذا بيد السعوديين؟
ليس من الواضح الآن ماذا ستقوم به السعودية أمام ضغوط دولية تزداد قوة وكثافة مع الوقت، خاصة بعد إعلان الأتراك وقف البحث عن الجثة، ووضع العالم أمام مسؤولية الانتقال إلى المراحل اللاحقة، التي تنحصر أساسا في معرفة المسؤولين عن الجريمة ومعاقبتهم.
بيد أن الخطوات السعودية لمواجهة الموقف راوحت حتى الآن بين مغازلة خصوم الأمس وإرسال الرسائل الودية تجاههم أو التقرب إلى الشعب السعودي، وربما استمطار الغيب لعله يأتي بأزمات دولية تنسي العالم قصة مقتل خاشقجي.
وفي انتظار ذلك، أخذ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز -رغم وضعه الصحي وتقدمه في السن- جانبا من تخفيف الأزمة عبر زيارات موسعة إلى أنحاء متعددة من المملكة من أجل لقاء المواطنين والتقرب إليهم.
وتأخذ هذه الجولة جانبا من شغل الإعلام والنخب السياسية لاستقبال الملك وتقديم آيات الولاء والطاعة، إضافة إلى الإعلان عن بعض المشاريع والبرامج الاقتصادية لصالح المواطنين، وهي زيارة يقول بعض النشطاء إنها لم تكن لتتم لولا دماء خاشقجي التي حركت ساكن المملكة.
كما استعان محمد بن سلمان أيضا –وفقا لما يتردد إعلاميا- بحليف ترامب الأهم في المنطقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ من أجل إيجاد فتحة في جدار الضغط الدولي على قادة مملكة خادم الحرمين، وأثنى نتنياهو على النظام السعودي، في واحدة من أغرب حالات التقارب بين البلد الذي يعلن نفسه دولة إسلامية ثيوقراطية، ودولة الاحتلال المسؤولة عن أكثر مصائب عرب اليوم.
وفي انتظار أن يتضح ما بيد السعوديين أكثر؛ تواجه المملكة اليوم مرحلة جديدة من أزمة خاشقجي برصيد قليل جدا من النقاء الحقوقي، وبارتباك شديد في الخطوات السياسية؛ بينما ينتظر القادة هبوط الجليد السياسي على مشهدهم الساخن، مراهنين على أن الضمير الدولي سريع الغياب كثير النسيان، دون أن ينتبهوا إلى أنهم سلموا العالم كله سياطا لجلد ظهورهم في أي وقت وبأي سبب.