لا يستطيع الانسان أن ينفك بسهولة عن سلطان العاطفة وما زال سيف سيدنا عمر رضي الله عنه مشهرا ولامعا ومحذرا عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة صدمته حتى ضمّه غمد عقل سيدنا أبي بكر رضي الله عنه بكل هدوء وحنان واحتواء حين تلا: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" وحين قال: "من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت" فجثا عمر على ركبتيه حين أدرك الحقيقة وذهب أوار العاطفة!!!.
أن يرتبك عقل الفرد ليس بمستغرب نتيجة تحفز أو صدمة أو عاطفة جامحة لا يتحملها _ مهما علا قدره وكبُر مقامه _ لكن الكارثة كل الكارثة أن ترتبك معه عقول المجموع وأحلام الأغلبية وتضطهد الحكمة ويعتقل التأني ويحكم عليه بالإعدام في محكمة هياج العاطفيات وثوران الحماسات.
العاطفة الدينية والروحية بكل مظاهرها ميزة كبرى حيث تتسامى على الحياة التي طغى عليها عالم المادة الجاف والقاسي ولما في ديننا من رعاية لها بناء وتهذيبا وتحصينا.
لكن كثيرا من المسلمين _ للأسف _ حولوا هذه العاطفة إلى أريكة لممارسة الاتكاء عليها وتعطيل العقل تحت إغراءات راحتها.
نعم هي عاطفة المسلمين الوقّادة وهي عنصر قوتهم وضعفهم ونصرهم وهزيمتهم في الوقت نفسه!!!.
إن ما يجري على المسلمين من الظلم ليس قليلا وهو كفيل باستثارة حماسة أي غيور وأي ضمير انساني حي لكن عاطفة المظلوم وحدها لن تكفيه دون عقله للخلاص من الظلم الواقع عليه.
عند الإنسان ميل عجيب للغلو في العقل أو في العاطفة (والتوازن بينهما) عند المرء علم يؤخذ، وأدب تشد إليه الرحال، وحكمة يؤتيها الله من يشاء من عباده، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.