من بداية الصفحة الخامسة والثلاثين بعد المائة الرابعة إلى نهاية الصفحة الثامنة بعد المائة الخامسة تحدث الدكتور سفر الحوالي عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خصوصاً وعن الدعوة السلفية عموماً، فبين منطلقاتها وآثارها، وبرأها مما ألحقه بها الأصدقاء ومما ادعاه عليها الأعداء، وأكد أنها دعوة سنية مهدية، لا علاقة لها بما قيل عنها، فلم تكن خروجاً على الدولة العثمانية، ولم يؤثر عن مؤسسها شطر كلمة تبيح الخروج على السلطان العثمانيّ، بما يعني – لدى الدكتور سفر – أنَّ ما جرى من أحداث لا تحسب على الدعوة؛ ربما لملابسات ساهم في خلطها تدخل محمد علي في حملته على الدرعية، والتي عبر عنها بقوله في صفحة 470 “أضف إلى ذلك حقد محمد علي باشا وهو والد إبراهيم وطوسون على كلا الطرفين: الدولة العثمانية التي كانت تعده أحد ولاتها فقط، ودعوة الشيخ محمد التي سلبته ملكه في الحجاز وغيرها”
ومن العبارات التي استوقفتني – وهي شاهدة على إنصاف الرجل واعتداله – قوله في صفحة 471: “وكتب الشيخ محمد – يقصد ابن عبد الوهاب – ودعوته للكتاب والسنة على العين والرأس، أمَّا السيرة العملية لأتباع الدعوة فهي تجربة بشرية نفيد منها، وليس بالضرورة أن نفعل نفس العمل” فلعلها اعتراض مهذب على بعض الممارسات التي وقعت سواء على الصعيد الدعوي الحركي أو على الصعيد السياسي والعسكري.
ويؤكد الدكتور سفر أنَّ هناك من الدعاة والعلماء في الدولة العثمانية من كانت له حظوة عند الخلفاء والأمراء والسلاطين مع كونه منكرا للبدع داعياً إلى تطهير الدين مما دخل عليه من شركيات، وذكر منهم الشيخ قاضي زاده الذي كان مع الجيش العثماني في حصار فيينا، والشيخ البركوي الذي عده محمد رشيد رضا من المجددين، والشيخ محي الدين أفندي الذي انتقد بشدة ابن عربي وجلال الدين الروميّ، المهم أنَّ الشيخ بدا في سياق حديثه أنَّه لا يقر بأنَّ الخصومة التي وقعت على طول التاريخ بين الدولة العثمانية وأعراب آل سعود لا علاقة لها بالدعوة السلفية، وإنَّما أشكل الأمر واختلط على كثير من الناس، وهو مسلك أراه حميداً وموفقاً؛ إذ إنَّ الأمة بحاجة إلى تأليف القلوب بعيداً عن ممارسات الأنظمة ومماحكات السياسيين.
ويعود إلى التأكيد على أنَّه: “قد شاب صفو هذه الدعوة المباركة ما وجد لدى بعض أتباعها من الغلو والتشدد” صــ 486 ويستطرد في ذكر أمثلة لهذا التشدد يطول ذكرها ويشق حصرها، لكنه يصل في اعترافه إلى هذا الحدّ: “وربما استحلوا الدم والمال بالشبهة أو الوشاية، مع الغفلة الشديدة عن أعداء الدعوة من النصارى والنصيرية والدروز وغيرهم ممن كانوا يعيشون قريبا منهم ومصادرهم متوفرة” (ص 486).
وحتى لا يختلط على القارئ فيخلط بين السلفية الصحيحة والسلفية المنحرفة ذكر الدكتور سفر أربعة أنواع من السلفية غير المرضية، الأولى السلفية الجهادية التي لا تعرف إلا السيف، ولا تعترف بالدعوة والتعليم ولا تقيم لهما وزناً، والثانية السلفية العلمية، وهي على الضد من الأولى؛ لا تعترف بالجهاد ولا تقيم له وزنا، والثالثة السلفية الجامية التي تقول عن كل طاغية إنَّه ولي أمر، والرابعة أهل النفاق والشقاق الذين يركبون موجة السلفية للوصول لأغراض دنيوية، وبهذا الاستقراء والاستيعاب كشف الشيخ عن موقفه من كل الحركات المنسوبة للسلفية كذباً وتدليساً.
وبعد صولة حذر فيها من الإسلاميين الجدد الذين يسمون أنفسهم بالعصرانيين، انثنى يوبخ (أعداء الله) الذين “أنشأوا على مدار التاريخ حركات موالية لهم بأسماء سلفية، فلما أخفق الإنجليز في مقاومة الجهاد الإسلاميّ في الهند أنشأوا القديانية، ولما غزا الأمريكان العراق نشروا فتوى السيستاني عن تحريم مقاومة الأمريكان، ولما قدمت جيوشهم إلى الخليج واحتلوا جزيرة العرب، وضعفت حجتهم في أنَّ هذا مجرد استعانة؛ أسسوا الجامية” صـــ 501 وهذا كلام للرجل يعرفه ويدرك أبعاده من وقف على موقفه السابق من مسألة الاستعانة بالقوات الغربية في حرب العراق، فلقد كان له موقف مشرف؛ إذ لم ينجرف إلى منحدر الإفتاء بجواز ذلك، لكن الأهم من هذا هو مواجهته اليوم آل سعود مرة ثانية بهذا الكلام ووضعه لهم في زاوية “اعداء الله”.
وفي سياق نعى فيه الأمة لتوليها عن الجهاد ورهبتها منه بسبب اتهام أعداء الأمة للمجاهدين بالإرهاب اوقفنا الدكتور سفر على هذه الواقعة التي ذكرها في سياق الاستنكار: “قال وزير الدفاع السعودي سابقاً: مخاطبا المنتخب الوطني “أنتم حققتم ما عجزنا عن تحقيقه بالجيوش” ثم يعقب ساخراً: “فما على المسلم إلا أن يختار النصر في الملعب أو النصر في ميدان الجهاد” صــ 506 (يتبع) .