ماذا بعد رمضان ؟
الأستاذ أشرف ربيع رابطة علماء أهل السنةمرّت أيام الشهر الكريم مسرعة بكل ما أسبغ الله عز وجل عليها من نفحات، ويجد الواحد منا نفسه فجأة يقول : انتهى رمضان ، ويجد نفسه أمام سؤال كبير، ماذا سأفعل بعد رمضان؟
وعندما يقفز هذا السؤال إلى الأذهان، فهذه علامة صحة.
فالقلوب الغافلة ، تفرح بانتهاء هذا الشهر الكريم، وتعود لممارسة حياتها الطبيعية وكأن شيئا لم يكن.
أما القلوب الصحيحة فذاقت حلاوة الوقوف بين يدي الله عز وجل، وعايشت قربا من خالقها ترك عليها نفحات ولمحات من نور أعادتها للحياة، بعد عام طويل مضى اكتست فيه بذنوب وتخليط أعمال ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) التوبة.
والإجابة على هذا السؤال، عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم، عندما سأله سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك , قال : قل آمنت بالله ثم استقم ” رواة مسلم.
إذاً فالاستقامة على هذا الطريق هي الحل، ولكن كيف؟
- اعلم حفظك الله أنه لولا عون الله لك، ما وقفت بين يديه ولا ذقت حلاوة القرب منه ولا رفعت يديك للدعاء ولا كل هذه الأعمال التي فعلتها وتريد أن تداوم عليها.
ولذلك كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلّم : " ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا" رواه أبو داود.
- والعون من الله عز وجل لا يتأتّى إلا بالمجاهدة ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين ) العنكبوت:69.
ومجاهدة النفس والشهوات والشيطان والفتن التي تُعرض على القلوب فتنة فتنة، كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلّم : تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ). متفق عليه.
ولا يكون العون إلا على قدر المجاهدة.
فبقدر الحرص على الاستمرار في الطاعة ومقاومة الشهوات والفتن، يكون عون الله للعبد.
علامات ...
ولكل شيء علامة ومؤشّر، تقيس به وتعلم أين أنت.
-
فعلامة قبول الطاعة ... الطاعة بعدها.
فعلامة قبول عملك في رمضان، أن يجعلك الله تستمر في الطاعة بعده، ويصبح رمضان بالنسبة لك نقطة انطلاقة تغير بها حياتك.
-
وعلامة البعد عن الله ... الوقوع في المعصية
فعندما يرى العبد عمله، وأنه صام وصلّى وفعل الخيرات، وينسى أن هذا لم يكن إلا بفضل الله عليه، ويترك التوكل على الله والمجاهدة، يكله الله إلى نفسه.
( هانوا على الله فعصوه، ولو عزّوا عليه لعصمهم)
-
وعلامة وجود القلب ... قبول التذكرة والعمل بها
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) الواقعة
-
وعلامة حياة القلوب ... الاضطراب عند ذكر الله.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الأنفال
نسأل الله عز وجل، من أذاقنا لذة الطاعة والقرب منه في رمضان، أن يرزقنا الاستقامة على طريقه، ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا.