أثار إعلان السفارة الإسرائيلية بمصر عن زيارة وفد ممثل لها معرض القاهرة الدولي للكتاب، حالة غضب واستياء بين نشطاء ومتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي، في مقابل صمت وتجاهل في الأوساط الثقافية والإعلامية.
واعتبر مراقبون الزيارة انعكاسا لتصدر مؤيدي النظام الحالي الذي وصل إلى مراحل غير مسبوقة في التطبيع مع إسرائيل.
واحتفت الصفحة الرسمية للسفارة بزيارة وفدها الذي كان على رأسه الوزير المفوض لدى القاهرة "ديفد جوفرين".
وقالت السفارة إن عددا من الحضور عبروا للوفد عن حبهم وشغفهم بالأدب والقراءة، فيما عبر لهم الوفد عن حب الإسرائيليين واهتمامهم بالأدب المصري، في محاولة لإظهار حال من التواصل الإيجابي بين الطرفين.
صور من معرض الكتاب في القاهرة (الجزيرة نت)
التنسيق للزيارة
ورغم محاولة وسائل الإعلام المصرية التخفيف من وقع الزيارة باعتبارها "اندساسا مغرضا" دون تنسيق ولا علم مسبق لدى السلطات المصرية، فإن ذلك تعارض مع ما نقله بعضها عن رئيس الهيئة العامة للكتاب هيثم الحاج، من سماح الجهات الأمنية للوفد بالقيام بجولته مع مراقبة جميع أفراده خلالها.
وبحسب مراقبين، فإن السفارة الإسرائيلية تسعى من خلال هذه التحركات إلى إحداث تقدم واختراق على مستوى التطبيع في مسارات شعبية لا زالت العلاقة فيها متأخرة، بسبب تمسك قطاع واسع من الشارع المصري بموقف عدائي من إسرائيل.
ويعتبر المدير السابق لإدارة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بالخارجية المصرية السفير إبراهيم يسري، زيارة الوفد الإسرائيلي التي احتفت بها السفارة الإسرائيلية هي "الأقل تعبيرا عن العلاقات الوطيدة بين النظام المصري والكيان الصهيوني", حيث يسمح النظام بما هو أبعد من ذلك في جانب التعاون السياسي والعسكري.
إلا أنه يرى -في حديثه للجزيرة نت- خطورة هذه الزيارة فيما تمثله من اختراق للأوساط الثقافية ومحاولة السفارة إظهار تقدمها في التطبيع مع شرائح شعبية، وهو ما يستلزم عدم تمريره ورفضه والتحذير منه، بحسب رأيه.
تجاهل وصمت
حالة التجاهل والصمت التي اكتنفت أغلب الأوساط الثقافية ووسائل الإعلام المختلفة تجاه الزيارة، رغم الريادة السابقة لحركات مجتمعية وثقافية بمصر في الدعوة لمقاطعة إسرائيل ورفض التطبيع معها؛ برره البعض بغياب حرية التعبير وتصدر مثقفي السلطة وإعلاميها، بينما لم يعف آخرون أي مثقف من المسؤولية الفردية في استنكار ذلك.
وخرق هذا الصمت تعليق مقتضب على الزيارة لعضو اللجنة العليا للمعرض الكاتب البرلماني يوسف القعيد، بأنها غير رسمية ودون تنسيق مسبق، وبالتالي لا يلام أحد عليها، معتبرا الهدف منها إفساد فرحة المصريين بنجاح دورة المعرض هذا العام.
وفي هذا السياق، يرى الباحث المهتم بالشأن العلمي والتنموي مجدي سعيد، أن الغياب الكامل لحرية التعبير عن الرأي واتساع دائرة انتهاك الحقوق في ظل تسارع خطوات النظام القائم في تعميق علاقته مع الكيان الصهيوني، هي التي أثمرت هذا الصمت والتجاهل على مستوى الرموز الثقافية والفكرية.
وذهب في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه الزيارة تمت بعلم وترتيب مسبق مع السلطات المصرية وإن لم تعلن ذلك، حيث استبعد تنفيذ السفارة الإسرائيلية هذه الزيارة بمبادرة فردية دون ضمان التأمين اللازم لها، معتبرا إنكار ذلك "استخفافا بالعقول وإنكارا لما هو بديهي".
ولذلك، لم يرَ سعيد حالة الصمت التي تبعت الزيارة تعبيرا حقيقيا عن شريحة المثقفين المصريين، حيث تتصدر ساحة الثقافة في هذه المرحلة شخصيات محسوبة على النظام لن تتجرأ على معارضة مواقفه، بحسب رأيه.
تطبيع ثقافي
بينما يشدد أستاذ علم اللغة الرئيس السابق لدار الكتب والوثائق القومية خالد فهمي، على أن أي تطبيع على المستوى الشعبي يعد خيانة للقضية المصرية، معتبرا التطبيع الثقافي على وجه الخصوص "خطيرا جدا" كونه السبيل لتغيير الأفكار والوعي.
ورغم إقراره بصعوبة اتخاذ موقف شعبي جمعي تجاه هذه الزيارة في ظل الأوضاع الحالية، فإنه -في حديثه للجزيرة نت- لم يعف شريحة المثقفين والمفكرين من المسؤولية الفردية في ضرورة إعلان موقف رافض لمثل هذه الممارسات والعمل على تعريتها واستنكارها بمختلف السبل.
بدوره، يرى رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري، أن هذه الزيارة تأتي في إطار محاولة فرض التطبيع الصهيوني على المجتمع المصري، حيث يعلم الصهاينة أن تطبيعهم المستقر مع أنظمة الحكم لا يتجاوزها وأن غالبية المجتمعات العربية ما زالت حجر عثرة في سبيل التطبيع.
ويشدد في حديثه للجزيرة نت على أن ردود الأفعال الفاترة تجاه زيارة الوفد الإسرائيلي لمعرض الكتاب لا تعني قبول المجتمع المصري أو مثقفيه بالتطبيع، لافتا إلى أن "المجموعات اليسارية والليبرالية التي يعلو صوتها في المجالات الثقافية لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من مثقفي مصر وعلمائها".
ويرى خضري أن تغييرا حصل مؤخرا في توجهات ليبراليي ويساريي مصر تجاه العلاقة مع إسرائيل، مشيرا في هذا السياق إلى دراسة ميدانية أجراها المركز المصري في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أظهرت تقبل 57% من التيارات اليسارية و43% من التيارات الليبرالية -التي يسيطر رموزها على المنابر الثقافية والإعلامية بمصر- التطبيع مع إسرائيل.