الأستاذ الدكتور مجدي شلش - الأستاذ بجامعة الأزهر
رابطة علماء أهل السنة
هذا المكرم من الله....فماذا صنعتم به ؟
بقلم أ.د. مجدي شلش
نفخ الله فيه من روحه، وجعله خليفة له في أرضه، وأسكنه جنته، وأسجد له ملائكته كلهم أجمعون، وعلمه الأسماء كلها بنفسه، هل بعد هذا من تكريم ؟
خلق الكون كله بسمائه وأرضه، وشمسه وقمره، ونجومه وكواكبه، جباله وهضابه ووهاده، وبحاره وأنهاره وأشجاره من أجله، ومسخرة تحت أمره.
أسبغ عليه النعم ظاهرة وباطنة، فصب له الماء صبا، وشق له الأرض شقا، وأنبت له العنب والحب، والزيتون والنخل، وجعل له حدائق غلبا، وفاكهة وأبا متاعا له ولأنعامه.
أنزل له من السماء ماء فأحيي به الأرض بعد موتها، وخلق الأنعام وذللها له، فمنها ركوبه إلى بلد لايستطيع بلاغها إلا بشق الأنفس، ومنها طعامه وزينته.
خلق له حواء وجعلها أنيسا وسميرا، وجعل منها البنين والبنات والحفدة، ورزقه من الطيباب، بعد أن أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا، فجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة حتى نشكره ولا نكفره.
سخر لنا جو السماء فحلقنا كالطير، وعميق البحر فغصنا كالبرق، وطبقات الأرض بكنوزها وذهبها الأحمر والأسود فغرفنا وارتوينا واغتنينا، وأتانا من كل ما سألنا وتمنينا فنعم الواهب والعاطي والرازق.
جعل لنا من بيوتنا سكنا، ومن جلود الأنعام بيوتا لحسن إقامتنا ومتعة سفرنا، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا لدنيانا، وخلق لنا ظلالا تقينا من الحر، وجعل الجبال أكنانا لحسن المنظر وحتى لا تميد بنا الأرض، وبعد كل هذا جعل لنا سرابيل تقينا البرد والبأس.
ومن رحمته بنا جعل الأرض مهادا، والجبال أوتادا، والنوم سباتا، والليل لباسا، والنهار معاشا، وبنى لنا سبعا شدادا، وجعل لنا سراجا وهاجا، وأنزل لنا من المعصرات ماءا ثجاجا، فأخرج لنا حبا ونباتا، وجنات ألفافا حتى لا نجوع في الدنيا ولا نعري ولا نظمئ فيها ولا نضحى.
إرادته لنا وبنا أن يطهرنا ويخفف عنا ويرحمنا ويبين لنا ما ينفعنا ويضرنا فرفع الحرج والعنت والمشقة عنا، وهدانا سواء السبيل، أكرمنا برسله وأنبيائه مبشرين ومنذرين حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل والأنبياء.
أكرمنا بنعمة الإسلام والقرآن، وجعله دينا شاملا تاما كاملا، ما فرط فيه من شيء، وجعله تبيانا لكل شيء، نور على نور، هداية لمن آمن واتبع، لا ضلال فيه ولا شقاء معه، فيه نبأ من قبلنا، وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا.
أنزل لنا رسالة راعت مصالحنا الضرورية والحاجية والتحسينية، ودرءت المفاسد، وأزالت عنا الأضرار والمعايب، ووازنت بين متطلبات البدن وسمو الروح، تزيل من حكيم حميد .
جعل الحرية فريضة من فرائضها، والشوري خلق من مكارمها، والعدل قسط من موازينيها، والمساواة من أجل قيمها، والكرامة أصل من أصولها.
هذا فعل الله بنا ولنا، ترى فيه الحب العميم، والستًّّر والصفح الجميل، والعفو الكبير، والمغفرة الواسعة، والقرب والدنو للبعيد والقريب، ما أجمله وأعظمه وأحسنه وأكمله وأرحمه من رب كريم حليم ودود، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .
ماذا قدمت لنا الأصنام البشرية، والأوثان الحجرية الجهنمية، والأزلام الملوثة فكريا وأخلاقيا ؟
ماذا قدمت لنا الليبرالية والعلمانية والاشتراكية ؟
قدمت لنا: القصور في المعرفة، والتهور في الحرية، والانسلاخ من الآدمية، حطمت أخلاقنا، وداست بنعالها مقدساتنا، وزرعت الأحقاد فيما بيننا، دمرت الإنسان باسم الحضارة والمدنية، وضللته باسم الحداثة والحرية.
ماذا قدمت لنا الأنظمة الشمولية المستبدة؟
قدمت لنا: القسوة والقتل والنهب والسرقة والغصب والنصب والغش والتدليس.
قدمت لنا الطبقية البغيضة، والعنصرية المقيتة، والقومية المحدودة، والوطنية القاصرة.
أنظمة محلية وإقليمية وعالمية زادت الإنسان ضعفا على ضعفه، ووهنا على وهنه، أغرته بالشهوة، وضللته بالعجلة، وقسمته بالجدل، ويسرت له الكفر والجهل، وحببت إليه الفسوق والعصيان.
أنظمة جعلت من بعض البشر ذئابا مفترسة، ونمورا تنهش اللحم بلا رحمة، وقرودا تتخبط وتنافق بكل مكر وخداع وحيلة.
هل من مقارنة بين فعل الله بنا وما صنعه خبثاء الأنظمة الماكرة الخائنة ؟
"والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما"
متى تداس هذه الأنظمة الشمولية المستبدة بالأقدام، وتضرب على رؤوسها بالنعال، وينزل لها عباد الله ساحة النزال، فيقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف كما القرآن قال.
ثقتنا في من قال " ...عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا "
لا ثقة في القتلة والمجرمين والسفاحين، الخير منهم بعيد، والقرب منهم خيانة وشر أكيد، كفى دروشة وسطحية في التعامل مع الأفاك الأثيم.