قصة انهيار أحد أكثر برامج الاستخبارات الأميركية تكلفةً.. ”نيويورك تايمز” تكشف المسؤول عن فشل خطة تسليح المعارضة السورية
رابطة علماء أهل السنة
رغم أنه واحد من أكثر برامج العمل السرية تكلفةً في تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، فقد جاءت نهاية برنامج دعم المعارضة السورية سريعة، وإن لم تكن مفاجئة.
ففي 20 يوليو/تموز 2017، أفاد مسؤولون أميركيون بأن الرئيس دونالد ترامب أمر بوقف البرنامج السري الذي تديره وكالة الاستخبارات المركزية ( CIA) لتدريب جماعات المعارضة السورية، الذي أُطلق عام 2013 عندما قرر الرئيس السابق باراك أوباما الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لإجباره على التنحي عن الحكم .
وجاء هذا القرار بعد أن أوصى مايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في مؤتمرٍ صحفي عقده البيت الأبيض بداية الشهر الماضي (يوليو/تموز)، الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإنهاء البرنامج الذي استمر 4 أعوام لتسليح أفرادٍ من قوات المعارضة السورية وتدريبهم.
استعادوا أسلحتهم
والأربعاء 2 أغسطس/آب 2017، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن التحالف الدولي، بقيادة أميركا، استعاد الأسلحة التي زود بها فصائل "قوات أحمد العبدو" و"جيش أسود الشرقية" و"لواء شهداء القريتين".
وتعمل الفصائل الثلاثة، المنضوية في إطار "الجيش السوري الحر"، بالبادية والجنوب السوري، حسبما نقلت "بي بي سي" عن المرصد.
ونقل المرصد عن مصادر وصفها بالموثوقة، أن التحالف الدولي استعاد الأسلحة التي أمدّ بها هذه الفصائل، بعدما رفضت شروطه لمواصلة الدعم، وعلى رأسها عدم قتال القوات النظامية والتركيز على قتال "داعش".
وترى "نيويورك تايمز"، في تقرير نشرته الأربعاء 2 أغسطس/آب 2017، أنه عندما اتُّخذ قرار إنهاء هذا البرنامج كانت قوات المعارضة قد أصبحت أشبه بصَدَفةٍ جوفاء، بعد تعرضها على مدار أكثر من عامٍ لقصف الطائرات الروسية، ومحاصرتها داخل المناطق التي لم تستطع قوات النظام السوري استعادتها بعد أن تقلَّص حجمها أكثر من أي وقتٍ مضى.
من المتسبب في فشل البرنامج؟
وكان نقادٌ في الكونغرس قد اشتكوا طيلة أعوامٍ بشأن تكاليف البرنامج، التي تجاوزت مليار دولار على مدار مدته الإجمالية، وكانت التقارير بشأن وصول بعض الأسلحة التي تُقدِّمها وكالة الاستخبارات المركزية إلى جماعةٍ معارضة مرتبطة بتنظيم القاعدة- قد ساعدت على إنهاء الدعم السياسي للبرنامج.
وكانت صحيفة الواشنطن بوست قد نسبت إلى مسؤولين قولهم إن وقف البرنامج يشير إلى رغبة الرئيس دونالد ترامب في إيجاد وسائل للتعاون مع روسيا، التي ترى أن برنامج دعم المعارضة السورية يستهدف مصالحها، كذلك يشير وقف البرنامج إلى تراجع رغبة الولايات المتحدة في إبعاد الأسد عن السلطة، حسب تقرير لـ"بي بي سي".
غير أن "نيويورك تايمز" ترى أنه كانت هناك في واقع الأمر وجهات نظر ضعيفة تؤيد هذا البرنامج في إدارتي الرئيس السابق باراك أوباما والرئيس الحالي ترامب على حدٍ سواء، وهو توافقٌ نادراً ما نراه بين الإدارتين حول وجهة نظر تخص إحدى سياسات الأمن القومي.
واقتضى إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية، الذي كان واحداً من أكثر البرامج تكلفةً لتسليح قوات معارضة وتدريبها منذ برنامج الوكالة لتسليح المجاهدين في أفغانستان خلال الثمانينات من القرن الماضي، إصدار كشف حسابٍ بنجاحاته وإخفاقاته.
وبينما يقول بعض معارضي البرنامج إنَّه كان مجازفةً، وكان مُكلِّفاً وغير فعال- فإن مؤيديه رأوْا أنَّه كان مُقيَّداً بتحفظاتٍ غير ضرورية، وأنَّ إنجازاته كانت بارزةً بالنظر إلى أنَّ إدارة أوباما فرضت عليه قيوداً عديدة منذ بدايته، معتبرين أن هذه القيود هي التي أثبتت فشلها في نهاية المطاف.
وفقاً لـ"النيويورك تايمز"، فإن البرنامج مرَّ بفتراتٍ ناجحة، من بينها عام 2015 حين استخدمت قوات المعارضة الصواريخ المضادة للدبابات التي حصلت عليها من وكالة الاستخبارات المركزية والمملكة العربية السعودية كذلك، واستطاعت التغلُّب على قوات النظام السوري المتمركزة في شمال سوريا آنذاك.
ولكن بحلول أواخر عام 2015، كان الهجوم العسكري الروسي في سوريا يُركِّز تركيزاً مباشراً على مقاتلي المعارضة المدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذين يقاتلون قوات النظام السوري؛ مما أدى إلى مقتل العديد من المقاتلين، وخسرت قوات المعارضة المكاسب التي حققتها من قبل.
وقال تشارلز ليستر، وهو خبيرٌ متخصص في الشأن السوري بمعهد الشرق الأوسط، إنَّه لم يُفاجأ بإنهاء إدارة ترامب البرنامج، الذي سلَّح آلاف الأفراد من المعارضة السورية ودرَّبهم. (بالمقارنة، أُلغي برنامجٌ تابع للبنتاغون تكلفته 500 مليون دولار وكان يهدف إلى تدريب 15 ألف فردٍ من المعارضة السورية وتسليحهم في عام 2015، بعد تأهيل بضع عشراتٍ فقط من المقاتلين).
دور أوباما
وتحدَّث ليستر عن برنامج وكالة الاستخبارات المركزية، قائلاً: "بدرجةٍ كبيرة، أُلقي باللوم على إدارة أوباما؛ إذ لم تمنح البرنامج مطلقاً الموارد والمساحة اللازمة للتواؤم مع ديناميات ساحة المعركة".
وأردف: "لقد كانت تُغذِّي جماعات المعارضة بالتنقيط الذي يكفيها بالكاد للبقاء على قيد الحياة، ولكنه لم يكن كافياً أبداً لتصير هذه الجماعات أطرافاً فاعلة مهيمنة".
وكان ترامب قد انتقد البرنامج مرتين منذ إنهائه. وكانت المرة الأولى بعد أن نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أول تقريرٍ عن قراره؛ إذ نشر ترامب تغريدةً قال فيها إنَّه أوقف "دفع أموالٍ طائلة، ومحفوفةٍ بالمخاطر، ومُهدَرة، لقوات المعارضة السورية التي تقاتل الأسد".
أمَّا المرة الثانية، فقد جاءت خلال حوارٍ صحفي مع صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في الشهر الماضي، حين قال ترامب إنَّ العديد من الأسلحة التي كانت وكالة الاستخبارات المركزية تُقدِّمها للمعارضة وصلت إلى تنظيم القاعدة، ومن المرجَّح أنَّه كان يُشير هنا إلى جماعة "جبهة النصرة"، التابعة لتنظيم القاعدة، والتي كثيراً ما قاتلت إلى جانب قوات المعارضة السورية التي كانت مدعومةً من وكالة الاستخبارات المركزية.
وقال الجنرال ريموند أنتوني توماس الثالث، وهو قائد القيادة الأميركية للعمليات الخاصة، خلال مؤتمرٍ عُقد الشهر الماضي، إنَّ إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية كان "قراراً في غاية الصعوبة".
وأضاف توماس: "على قدر معرفتي بالبرنامج وقرار إنهائه، لم يكن القرار محاولةً للتودُّد إلى الروس على الإطلاق. أعتقد أنَّه كان بناءً على تقييم طبيعة البرنامج، وما نسعى لإنجازه، وإمكانية استمراره".
على مضض
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أنَّ أوباما كان قد وافق، على مضضٍ، على البرنامج عام 2013، في ظل سعي الإدارة الأميركية للحد من زخم قوات النظام السوري الموالية للرئيس بشار الأسد.
ولكنَّ البرنامج سرعان ما سقط ضحيةً للتحالفات المتغيرة باستمرار في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ 6 أعوام والرؤية المحدودة للجيش الأميركي ومسؤولي الاستخبارات عمَّا كان يحدث على أرض الواقع.
فبمجرد عبور المقاتلين المُدرَّبين من وكالة الاستخبارات المركزية إلى سوريا، كان ضباط الوكالة يواجهون صعوبةً في السيطرة عليهم. وقد أكَّدت حقيقة وصول بعض أسلحة وكالة الاستخبارات المركزية إلى مقاتلي "جبهة النصرة" المنبثقة من "القاعدة"، وانضمام بعض أفراد المعارضة السورية إلى هذه الجماعة- مخاوف الكثيرين في إدارة أوباما حين بدأ البرنامج.
ومع أنَّ "جبهة النصرة" كانت تُعتبر على نطاقٍ واسع قوةً قتالية فعَّالة ضد قوات الأسد، فإن انتماءها إلى تنظيم القاعدة تسبب في استحالة تقديم إدارة أوباما دعماً مباشراً لها.
ويُقدِّر مسؤولون بالاستخبارات الأميركية عدد مقاتلي "جبهة النصرة" في سوريا حالياً، بنحو 20 ألف مقاتل؛ مما يجعلها أكبر جماعة تابعة لتنظيم القاعدة في العالم.
ولكن عكس غيرها من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ركزَّت "جبهة النصرة"، منذ فترة طويلة، على محاربة النظام السوري بدلاً من التخطيط لهجماتٍ إرهابية ضد الولايات المتحدة وأوروبا.
بداية متعثرة
في صيف عام 2012، كان ديفيد بترايوس، الذي كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية آنذاك، أول من اقترح إنشاء برنامجٍ سري لتسليح قوات المعارضة السورية وتدريبها، في ظل تعرضها لتهديدٍ من قوات النظام السوري.
واقتضى المقترح إجراء مناقشةٍ داخل إدارة أوباما، مع وجود آراءٍ من بعض كبار مساعديه تُفيد بأنَّ ساحة المعركة الفوضوية في سوريا ستجعل ضمان عدم وقوع أسلحة وكالة الاستخبارات المركزية في أيدي جماعاتٍ مُسلَّحة، مثل "جبهة النصرة"، أمراً شبه مستحيل؛ مما دفع أوباما إلى رفض المقترح آنذاك.
ولكنَّه غيَّر رأيه في العام التالي، ووقَّع أمراً رئاسياً يُكلِّف وكالة الاستخبارات المركزية تسليح مجموعاتٍ صغيرة من المعارضة وتدريبها سراً في قواعد عسكرية بالأردن. وكان من الأسباب الرئيسة في تراجع أوباما عن موقفه، تعرُّضه لضغطٍ شديد من بعض القادة الأجانب، ومن بينهم ملك الأردن عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اللذان قالا إنَّ الولايات المتحدة يجب أن تلعب دوراً أكثر فاعلية في محاولة إنهاء الصراع، حسب تقرير "نيويورك تايمز".
وتحت اسم "Timber Sycamore" الرمزي، أو "أشجار الجميز"، بدأ البرنامج السري ببطء. ولكن بحلول عام 2015، أحرزت جماعات المعارضة، المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية، تقدماً كبيراً ضد قوات النظام السوري، ووصلت إلى مناطق داخل البلاد لطالما اعتُبِرَت من معاقل النظام. واكتسب الهجوم زخماً بعد أن بدأت وكالة الاستخبارات المركزية والمملكة العربية السعودية في تزويد جماعات المعارضة بالأسلحة القوية المُضادة للدبابات.
ولكنَّ تقدُّم قوات المعارضة في محافظات إدلب، وحماة، واللاذقية بشمال سوريا، خلق مشكلاتٍ لواشنطن كذلك؛ إذ حازت جماعة "جبهة النصرة"، التي كانت تقاتل إلى جانب جماعات المعارضة المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية، في كثيرٍ من الأحيان، جزءاً من الأراضي لنفسها.
النصرة
وكانت نجاحات "جبهة النصرة" في ساحة المعركة أحد المبررات التي استخدمها بوتين للتدخل العسكري الروسي في سوريا الذي بدأ عام 2015. وضربت الحملة الروسية قوات المعارضة وأسفرت عن تقهقرها، من خلال عمليات قصف بلا هوادة على المقاتلين المدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية وميليشيات "جبهة النصرة".
وعلى صعيدٍ آخر، فقد عانى البرنامج نكساتٍ أخرى؛ إذ كانت عمليات تسليح قوات المعارضة وتدريبها تجري في الأردن وتركيا. وفي إحدى المرات، سرق ضباطٌ تابعون للاستخبارات الأردنية بعض مخزونات الأسلحة التي شُحنت إلى البلاد لتحصل عليها قوات المعارضة السورية، وباعوها في السوق السوداء، حسب "نيويورك تايمز".
وتلقى مسؤولون في البيت الأبيض، كذلك، تقارير دورية أفادت بأنَّ جماعات المعارضة التي تتلقى تدريباً من وكالة الاستخبارات المركزية قد نفَّذت عمليات إعدام فورية في حق بعض السجناء، وارتكبت انتهاكاتٍ أخرى لقواعد الصراع المُسلَّح. وفي بعض الأحيان، أدت هذه التقارير إلى تعليق وكالة الاستخبارات المركزية تعاونها مع الجماعات المتهمة بارتكاب مخالفات.
وظل جون برينان، وهو آخر مدير لوكالة الاستخبارات المركزية في عهد أوباما، مناصراً قوياً للبرنامج رغم وجود انقساماتٍ داخل الوكالة الاستخباراتية حول فاعليته.
ولكن بحلول العام الأخير في ولاية أوباما الثانية، كان البرنامج قد فقد العديد من مؤيديه داخل البيت الأبيض، ولا سيما بعد أن صارت الأولوية القصوى للإدارة الأميركية في سوريا هي محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، المعروف بـ"داعش"، بدلاً من السعي لإسقاط نظام الأسد.
وبدعمٍ من الطائرات الروسية، بدأت قوات النظام السوري تدريجياً في استعادة المناطق القريبة من الحدود التركية والتي لطالما كانت من معاقل قوات المعارضة، ودفعت العديد من أفراد قوات المعارضة السورية، في نهاية المطاف، إلى مدينة حلب التي كانت مُحاصَرةً آنذاك، ثم سقطت مدينة حلب بأيدي قوات النظام السوري في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.