كنتُ جالساً مع أحد المميَّزين -غير لبناني- مدرِّب في التنمية البشرية وبناء الذات ومتخصص في أسلمة كتب كوفي ستيفن وتحويلها إلى دورات تدريبية، فطلبت منه أن يُسمعني ما عنده عن تقويم دورات التدريب وحصيلتها، فتعجَّبتُ من تقويمه المدعَّم بإحصاءات ومطابقته لما أرصده من دون استناد إلى إحصاءات وإنما من خلال المتابعة والمراقبة ومساءلة المتدرِّبين ... كان جوابه أنه توجد إحصاءات عالمية تؤكّد على أنّ 90% من الدورات بلا ثمرة أو ضعيفة النتيجة بسبب فقدانها لمقوّماتها وأغلبها هي لكسب المال أو لعرض المهارات الكلامية و "البروزة"، وأن 10% منها فقط هي الدورات المُنتجة تدريباً حقيقياً وارتقاءً بالمهارات!!!
إذن نحن بحاجة إلى الدورات التي تحقق أهدافاً تربوية من خلال التدريب الفعلي، وإلى قياس دقيق لاكتساب المهارات التي يوفّرها التدريب، وإلى المدرِّب المتخصّص الجادّ الذي يكون همّه ونُصْب عينيه تحقيقَ أهداف تدريبية وإكسابَ مهارات، ثم مواكبة المتدربين تعليماً وتوعيةً وتدريباً: أي المدرِّب الذي يفرِّق بدقّة بين المحاضرة وبين التدريب، ومهيّئ نفسَه للجهد التدريبي.
وبما أنّنا الآن على أبواب أهّم دورة تدريبية كونها ربّانية كان لزاماً علينا أن نستفيد منها إلى الحدّ الأقصى وأن نأخذَها أرقى نموذج للدورات الفعلية المنتجة..
دورة يشارك فيها أكثر من مليار ونصف مسلم، وواضعُ موادِّها ومنظِّم التدريب فيها هو الله رب العالمين: أعني دورة رمضان التربوية والتدريبية على خصال كثيرة بالإضافة إلى الهدف الأكبر منها وهو الحصول على مَلَكة التقوى، تليها ثلاثة أهم أهداف: الإرادة القوية، والصبر، وعاطفة الإحسان.
علماً أنّ من أهّم الدوافع المنشِّطة والمحمِّسة للانخراط فيها: أن المُعلن عنها هو الله جلّ جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}.
دورة يتواكب معها المغذّي الإيماني والمضخّة الثقافية من خلال ربط الصائم بمنبع ثقافة المسلم وصياغة فكره {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَات}.
دورة يترافق معها كمٌّ غير قليل من الإطماع بكثير من الأعمال الصالحة والترغيب في ثوابها وكثرة حسناتها، التي لها أيضاً أهداف تربوية ونفسية.
دورة يتهيأ لها من الأجواء المحفِّزة والمشاركة الجماعية الموحَّدة على مستوى الأُمّة بأكملها وطيلة 29 أو 30 يوماً، وميزتها أنها تدريبية مَيْدانية عملية ينمو فيها بشكل عظيم (حِسّ المراقبة) بشرط أن يكون المنخرط فيها مؤمناً صادقاً بإيمانه، وجادّاً في انخراطه، ومخلصاً لله في عزيمته.
وختاماً: لا شك أن التركيز على مفهومَيْ (العطاء والارتقاء) للبُعد الرمضاني ضروري جداً في هذه المرحلة العصيبة الحرجة التي يمرّ بها المسلم وتمرّ بها الأمّة ولأن المفهوم الأول أحد أهّم مؤشرات الاستفادة من الدورة والثاني هو ربحُها الكبير: العطاء ببُعده العميق وساحاته الواسعة: عطاء الأفكار والتضحية بالأوقات وتقديم الاختصاصات وبذل الأموال، لتخرج الأمّة من محنتها وتنعتق من إسار أزمتها الخانق.. فترتقي عند الله، وترتقي في الحياة في أثرها الإنساني ووزنها السياسي وعطائها الحضاري لتعود {خيرَ أمّةٍ أُخرجت للناس}.