رئيس مركز الدعوة الإسلامية في أمريكا اللاتينية: شعوب القارة متلهفة إلى معرفة الإسلام
رابطة علماء أهل السنةأكد الدكتور أحمد الصيفي، رئيس مركز الدعوة الإسلامية في قارة أمريكا اللاتينية ومقره في البرازيل أن القارة أرض خصبة للدعوة الإسلامية وأهلها شغوفون بالدين الحنيف، ويوجد في القارة حوالي 6 ملايين مسلم من أصول عربية وإفريقية يعيشون في تسامح مع شعوب هذه البلاد وحريتهم الدينية مكفولة تماما.
وأضاف د. الصيفي في حواره مع “الخليج” أثناء مشاركته في الندوة العالمية للشباب الإسلامي في القاهرة أخيراً، أن أبناء القارة يعتنقون الإسلام عن قناعة تامة من خلال معاملات وتصرفات وسلوك المسلمين هناك.
وفي الوقت نفسه أشار الدكتور الصيفي إلى العديد من المشكلات التي تواجه الجاليات الإسلامية في أمريكا اللاتينية ومنها عدم وجود قنوات إعلامية متخصصة بلغات أهل البلاد للتعريف بالإسلام، وعدم وجود الكتب المترجمة وندرة المدارس الإسلامية وإلى نص الحوار:
ـ يتصف موقف دول أمريكا الجنوبية عامة والبرازيل خاصة باتخاذ مواقف ايجابية تجاه القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية فلماذا لم يتم استثمار هذا التأييد؟
* إن دول أمريكا اللاتينية أكثر رفضا للظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني من بعض المواقف الرسمية للدول العربية والإسلامية، وأعلنت تأييدها لقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة الحقوق وان يرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الأعزل، وأن تعود الحقوق العربية كلها لأصحابها، ولكن الاهتمام العربي بتوثيق العلاقات مع هذه القارة لم يصل بعد إلى الدرجة المطلوبة رغم انعقاد بعض المؤتمرات العربية اللاتينية أخيراً، ولكننا نطلب المزيد خاصة أن العديد من الأنظمة السياسية الجديدة في أمريكا اللاتينية تتصف بالشجاعة وترفض كل أنواع الاستعمار الغربي وتشجب الظلم بكل صوره.
6 ملايين مسلم
ـ أمريكا اللاتينية بعيدة عن الخريطة الدعوية لعالمنا الإسلامي رغم أنها أرض خصبة للإسلام، فنود التعرف إلى هذا الواقع؟
* تشير الإحصاءات إلى أن عدد العرب في القارة يصل إلى حوالي 17 مليون شخص منهم حوالي ستة ملايين مسلم، ثلثهم في البرازيل و750 ألفا في الأرجنتين، وقد هاجر معظمهم بحثا عن فرصة عمل أو هروبا من حروب وظروف سياسية، ووصل بعضهم إلى منصب الرئاسة مثل الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم سوري الأصل، وكذلك عبد الله بوكرم لبناني الأصل الذي تولي رئاسة الاكوادور، وسبق للبناني الأصل جابرييل نورباي الترشح لرئاسة كولومبيا في أربعينات القرن الماضي، وقد بدأت الهجرات العربية عام 1850 وزادت شيئا فشيئا حتى أصبح للعرب وجود متزايد وفاعلية في القارة كلها.
وتوقف المد الإسلامي في البداية بسبب الضغوط التي تعرض لها المسلمون وضياع هويتهم الإسلامية، وبدأ بالفعل الوجود المتواصل والمؤثر مع الهجرات العربية وخاصة من بلاد الشام إلى الأمريكتين حيث ظهر للمسلمين وجود منظم بعد ذلك وتم تأسيس أول جمعية خيرية إسلامية عام 1929 وهي التي أنشأت أول مسجد واستغرق وقتا حتى تم افتتاحه.
ـ هل هناك مسلمون جدد يدخلون في الإسلام أم أن أعداد المسلمين تنمو من خلال الزواج فيما بينهم فقط؟
* أؤكد أن 50% من مسلمي أمريكا اللاتينية كلها وليس البرازيل فقط هم من ذوي الأصول العربية والإفريقية وزاد عددهم نسبيا بعد حرب فلسطين 1948 وبسبب الصراعات الإفريقية من جانب آخر، إما النسبة الباقية 50% فهي من المسلمين الجدد الذين دخلوا الإسلام عن قناعة تامة بعد أن عرفوا حقيقة الإسلام من خلال معايشتهم للمسلمين ومعرفة أخلاقهم المتميزة وتعاملهم، ولهذا نجد عددا كبيرا من مختلف الجنسيات اللاتينية يدخلون الإسلام، وإذا أحسنا استثمار ما لدينا من إمكانات ومساعدة الدول الإسلامية لنا ستكون النتيجة أفضل في مجال الدعوة.
المحافظة على الهوية
ـ المحافظة على الهوية هي أساس استمرار الوجود الإسلامي في أمريكا اللاتينية فما العوامل التي تهدد هذه الهوية؟
* استفدنا من تجارب التاريخ ولهذا عملنا على التأقلم والتفاهم مع شعوب الدول التي نعيش فيها والبعد عن أي صراع، وفي الوقت نفسه نعمل على كسب ارض جديدة من خلال التشريعات، وإقامة حوار مع مناطق صنع القرار السياسي والديني على حد سواء، حيث نقيم حوارات على مستوى عال، ولهذا لا يوجد أي صراع بين المسلمين في أمريكا اللاتينية وأبناء الدول التي يعيشون فيها.
وأعترف بأن هناك عوامل سلبية تؤثر في هويتنا أهمها:
* عدم وجود وسائل إعلام قوية تعبر عن المسلمين باللغة التي يفهمها سكان هذه القارة الذين يتكلمون الإسبانية والبرتغالية.
* عدم وجود مدارس إسلامية في كثير من الدول مع محاولة تعويض ذلك بمجالس المساجد في الإجازات الرسمية.
* عدم تمسك الأجيال الجديدة من المسلمين بدينهم كما ينبغي حيث يقلدون سكان البلاد التي يعيشون فيها بسبب المدارس المشتركة والحياة التي يعيشونها.
* عدم حرص كل الشباب المسلم على الزواج بالمسلمات وزواجهم من غير المسلمات، وقد وصل الجهل ببعض المسلمات إلى الزواج بغير المسلمين.
* عدم وجود كتب إسلامية باللغتين الأسبانية والبرتغالية بشكل كاف تسهم في نشر الوعي الديني بين المسلمين وتعريفهم بأمور دينهم وتعاليمه.
ونحن نعمل على معالجة هذه المشكلات بمزيد من الجهود الدعوية من خلال نشر بعض الكتب عن العبادات والتشريعات الإسلامية وعمل دورات دينية بالمساجد والجمعيات والمراكز الإسلامية يحضرها الآباء والأمهات مع أبنائهم في مختلف المراحل العمرية.
مؤتمرات حوارية
ـ لماذا لا تقيمون مؤتمرات لحوار الحضارات والأديان مع غير المسلمين في القارة؟
* هذا ما نقوم به بالفعل، ولكن ليس بالشكل الكافي أو الذي نطمح إليه، خاصة أن الشعب البرازيلي يتصف بالتسامح ولا يحمل مشاعر عدائية ضد الإسلام والمسلمين ويحترم عقيدتنا ويقدم إلينا التهاني في المناسبات الدينية المختلفة، وعندما يريد معرفة شيء عن الإسلام أو تصحيح معلومات فإنه يتجه إلى أقرب مركز أو جمعية إسلامية للاستفسار.
ـ لماذا لم تتوجهوا إلى المنظمات الإسلامية الكبرى لمساعدتكم على تقديم الكتب المترجمة للتعريف بالإسلام؟
* الحقيقة أن شعوب أمريكا اللاتينية كلها وليس الشعب البرازيلي وحده تعد أرضا خصبة لنشر الإسلام، خاصة أنه لا يوجد عداء تاريخي ولدى مواطني هذه القارة شغف كبير لمعرفة الإسلام، وهناك بعض المنظمات الإسلامية تمد يد المساعدة إلى الجمعيات والمراكز الإسلامية بأمريكا اللاتينية، ولكن بشكل اقل بكثير مما ينبغي، خاصة أننا نريد منظمات دعوية نشطة تملك الإمكانات المادية والمعنوية، وأنا واثق من أن النتيجة ستكون طيبة للغاية.
الإسلام في البرازيل
ـ كثير منا لا يعرفون عن البرازيل إلا ما يتعلق بنجوم كرة القدم فماذا عن شعبها؟
* يتكون الشعب البرازيلي من ثلاثة أجناس رئيسية هي: الهنود الحمر وهم السكان الأصليون، ثم الأوروبيون وغالبيتهم من البرتغال التي يتحدث البرازيليون لغتها حتى الآن، والجنس الثالث الأفارقة وأغلبهم من غرب إفريقيا ومنهم مسلمون أتى بهم الاستعمار الأوروبي، ليعمروا أمريكا اللاتينية عن طريق السخرة والاستعباد.
والبرازيل اكبر دولة في قارة أمريكا الجنوبية حيث يصل سكانها إلى أكثر من مائتي مليون نسمة، موزعين بين أكثر من 200 مجموعة قبلية ويتكلمون 180 لهجة محلية، ولا يشغل السكان سوى 10% من مساحة البلاد التي تصل إلى 5.8 مليون كيلومتر مربع، وهي خامس دولة في العالم من حيث المساحة وتضم أراضيها ثروات هائلة من المعادن.
ـ ما طبيعة وحقيقة الوجود الإسلامي في البرازيل؟
* أؤكد أولا أن المسلمين في البرازيل أقلية حيث يدين حوالي 90% من الشعب بالمذهب الكاثوليكي، وتتوزع النسبة الباقية بين ديانات عديدة من بينها الإسلام، ويؤكد التاريخ أن هناك مسلمين جاءوا إلى قارة أمريكا الجنوبية وخاصة البرازيل مع الكشوف الأوروبية لها، واحتفظ بعضهم بدينه في حين تحول آخرون إلى الكاثوليكية تحت الضغوط الاستعمارية، ولهذا نجد بعض الآثار التاريخية التي لاتزال باقية حتى اليوم والتي تؤكد أن المسلمين الأوائل كان لهم وجود فعال هنا سواء من حيث العملات المعدنية أم المخطوطات، ويتمتع الجميع بحرية العبادة طالما أن ذلك يتم بشكل سلمي وليس فيه عدوان على عقائد الآخرين أو حريتهم.
تكافل إسلامي
ـ ما تأثير انخفاض مستوى المعيشة في البرازيل على المسلمين والحياة الاجتماعية؟
* الجالية الإسلامية بالبرازيل رغم افتقادها الوعي الديني الذي نطمح إليه نظرا لغياب التنسيق بين المؤسسات الإسلامية إلا أنها لا تعد من الأقليات شديدة الفقر لما بينها من تكافل اجتماعي إسلامي، حيث يخرج المسلمون الزكاة والصدقات لإخوانهم المسلمين، مما قلل من نسبة الفقر بينهم مقارنة بغيرهم.
وفي الوقت نفسه فإن هناك رجال أعمال مسلمين ناجحين يسهمون في الأعمال الخيرية سواء للمسلمين أو غير المسلمين، مما كان له اثر طيب في نفوس غير المسلمين عندما يعلمون أن المسلم يفعل ذلك بدافع من دينه الذي يأمره بمد يد المساعدة لكل محتاج أو فقير بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه، وقد تعجب غير المسلمين من هذه الروح الطيبة حتى أن بعضهم دخل الإسلام لما فيه من رحمة بالفقراء تجاهلتها الحضارة الحديثة التي تقدس المال لدرجة العبادة ووصلت بها الأنانية حدا ليس له مثيل حتى أن الأغنياء يلقون بالقمح والأرز في البحار والمحيطات حتى تظل أسعاره مرتفعة ولا يستفيد منه الفقراء.
ونحن نؤكد لغير المسلمين أن الإسلام يحترم كل الأديان، ولا يُكره أحدا على الدخول فيه.