لم يكن لقب "أسد مسلمي الدونباس" لأحد قادة المجاهدين كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل كان واحدا من ألقاب كثيرة وصف بها الحاج الأوكراني عبد الرحمن موسييفيتش، الذي فارق الحياة قبل يومين عن عمر ناهز 87 عاما، قضى معظمه مربيا ومصلحا اجتماعيا.
برز الراحل بين مسلمي إقليم الدونباس شرقيأوكرانيا كداعية وناشط، حيث ترك أثرا كبيرا في إحياء هويتهم بعد سنوات الشيوعية العجاف في ظل الاتحاد السوفياتي، حتى أصبح "أسدا" و"قائدا" في أعينهم وقلوبهم، كما يقولون في رثائه.
أسس موسييفيتش عام 1996 جمعية دينية في الدونباس حملت اسم "بيرليك" (الوحدة)، وحث سكان مدينته "كراسني لوتش" على إعادة بناء مسجد، ليكون عنوانا بارزا لعودة الإسلام إلى "تتار كازان" في الدونباس.
كان إماما في مدينته، ثم سرعان ما ترأس اتحاد الجمعيات الدينية لمسلمي الدونباس فور تأسيسه لاحقا، وبرز آنذاك كأب روحي لكل المسلمين، فعمل من أجل وحدتهم وإحياء هويتهم الإسلامية وثقافتهم التترية، وكان له اهتمام ملفت بالتقارب مع الشباب، وغرس حب الإسلام فيهم.
قبل سبعة أعوام، أدى موسييفيتش فريضة الحج، فكان أكبر الحجاج الأوكرانيين سنا، واستمر حتى آخر أيام حياته في خدمة مسلمي الدونباس، ولا سيما من بقي منهم بعد اشتعال الحرب مع الانفصاليين عام 2014.
موسييفيتش في مقدمة صورة أرشيفية التقطت بعد تشييد مسجد في مدينة كراسني لوتش (الجزيرة)
تتار كازان
لشخصية موسييفيتش مكانة لا يعرفها إلى من قرأ أو سمع عن قصص تتار شرق أوكرانيا مع الإسلام، وما حل بهم خلال الحقبة السوفياتية من ذوبان.
فهم تتار الدونباس أو تتار كازان كما يسمون محليا، أو تتار نهر الفولجا كما يسميهم بعض المؤرخين، تنحدر أصولهم من قبائل تركية هاجرت من آواسط آسيا، واستقرت في مناطق دونيتسك ولوهانسك (الدونباس)، وكذلك في مناطق زبورجيا وخاركيف ودنيبروبيترفسك وبلتافا بشرق أوكرانيا.
يقول الباحث في تاريخ المنطقة أمين القاسم للجزيرة نت إنه خلال الحكم الشيوعي تعرض مسلمو الدونباس للتهميش، ومنعوا من أداء شعائرهم، فأغلقت مساجدهم، وأعدم الكثير من أئمتهم، واضطروا لتغيير أسمائهم الإسلامية؛ مما أفقدهم مع الزمن الكثير من علامات هويتهم.
لكن طقوس الختان والاحتفال بالمولد النبوي واللباس المحتشم والاحتفاظ بالقرآن الكريم في البيوت وبعض التقاليد الأخرى، بقيت لديهم وتوارثوها، كما يقول القاسم.
موسييفيتش يتلقى تكريما من سكان مدينة تتار في الدونباس قبيل رحيله (الجزيرة)
رثاء موسييفيتش
ترك رحيل موسييفيتش لدى التتار وغيرهم ألما كبيرا، فقد صلت عليه مساجد كثيرة بالدونباس وباقي مدن أوكرانيا، واستحضرت أحاديث المعزين الكثير من مناقبه.
ويقول رئيس المركز الإسلامي في دونيتسك حمزة عيسى للجزيرة نت إن للراحل شخصية أشبه بشخصيات كبار السن في مجتمعاتنا العربية، فقد كان محبوبا من الجميع، وله رهبة كان يستخدمها لتوبيخ الشباب الذين يتغيبون عن الصلاة، ولمعاتبة الآباء إذا لم يحضرها أبناؤهم.
أما مفتي مسلمي أوكرانيا الشيخ سعيد إسماعيلوف فيقول للجزيرة نت إن الموت غيّب شخصا له فضل عليه بعد الله، وسيذكر المستقبل أنه كان سببا في إحياء الدين في نفوس الكثير من أسر مسلمي شرق أوكرانيا، وتمسكهم به وبعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم، والأهم من ذلك تمسكهم وحب بعضهم بعضا.