الجمعة 22 نوفمبر 2024 02:39 مـ 20 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    الوعي بالأحداث المعاصرة

    رابطة علماء أهل السنة

    مر بالأمم أحداث ربما لا تتكرر كثيرا في التاريخ، ولا يكون عندنا وعي بحجمها أو إحساس بأهميتها، وربما يفقدنا الإحساسَ والوعيَ بها تتابعُها وتنوعُها وسرعةُ مرورِها، ولعل هذا من علامات الساعة!
    هناك فترات زمنية تطول في الأمم والشعوب، وهي فترات الرخاء والأمن، ثم تأتي فترات تاريخية للقهر والاستبداد، وقد تطول أيضا وتبقى عقودًا أو قرونًا من الزمان، ولعل حديث الإمام أحمد بسنده عن النعمان بن بشير ... قال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة". [رواه الإمام أحمد في مسنده: 4/273، وقال شعيب الأرناؤوط حديث حسن].
    والذي أعنيه هنا هي فترات التحول بين هذه الفترات التي تمر بسرعة بالأمم، وتنخطف خطفًا من بين يدي الشعوب، فلا يكاد المرء يشعر بها، أو يحس بطبيعتها ولا سيرها، أو يتأمل في حجمها وأهميتها والتحولات الكبرى التي تتم عندها.
    ولعل الفترة التي نحياها الآن في ظل الربيع العربي ضمن هذه الأحداث التي تتحول عندها الأمم، ويقف عندها التاريخ، وتتغير عندها الشعوب، وهي أحداث بطبيعتها قوية ومتتابعة وكبيرة ومهمة، ومن كثرة تتابعها وسرعتها يفقد الإنسانُ الإحساسَ بها، فما إن يأتي حدث حتى يتلوه آخر، وما إن تحدث طامة حتى تتلوها طامة أكبر، وإذا كانت العرب قديما قالت: "كثرة الكلام يُنسِي بعضُه بعضًا"، فإننا نقول اليوم: إن تتابع الأحداث وضخامتها في هذه الفترات ينسي بعضها بعضا.
    والذي أريد قولَه هو أنه لا يصح أن تَصْرفنا ضخامةُ الأحداث ولا تتابعُها عن التأمل فيها والاعتبار بها والوقوف أمامها، بل إنني أدعو إلى تدوينها يوما بيوم وساعة بساعة ولحظة بلحظة؛ لأننا إذا تكشفت هذه الأحداث عن وضع مستقر إن شاء الله، أو تمخضت عن ميلاد جديد، فسوف ترانا في أمس الحاجة إلى العودة لتلك الأحداث، ومحاولة استرجاعها والوقوف أمامها، وأخذ العبرة والدرس من بين طياتها.
    ولهذا دعانا القرآن الكريم إلى الاعتبار بالتاريخ والوعي بأحداثه، فهناك فرق كبير بين التاريخ أو أحداث التاريخ، وبين فلسفته والوعي به والانتفاع بعبره ودروسه، قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ". سورة يوسف: 111. وقال عز شأنُه: "وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ". سورة ق: 36-37.
    يقول العلامة محمد الطاهر بن عاشور: "والذكرى: التذكرة العقلية، أي التفكر في تدبر الأحوال التي قضت عليهم بالإهلاك ليقيسوا عليها أحوالهم؛ فيعلموا أنْ سينالُهم ما نال أولئك، وهذا قياس عقلي يدركه اللبيبُ من تلقاء نفسه دون احتياج إلى منبه.. والقلب: العقل وإدراك الأشياء على ما هي عليه. وإلقاء السمع: مستعار لشدة الإصغاء للقرآن ومواعظ الرسول صلى الله عليه وسلم، كأن أسماعهم طُرحتْ في ذلك فلا يشغلها شيءٌ آخر تسمعه .. والشهيد: المشاهد، وصيغة المبالغة فيه للدلالة على قوة المشاهدة للمذكر، أي تحديق العين إليه للحرص على فهم مراده مما يقارن كلامه من إشارة أو سحنة فإن النظر يعين على الفهم". [التحرير والتنوير لابن عاشور: 26/269-270. طبعة مؤسسة التاريخ العربي].
    إن وعينا بالتاريخ، وبأحداثه المعاصرة، وبخاصة عند تحول التاريخ، وتغير أحوال الأمم والشعوب بشكل سريع ومفاجئ يحتاج منا ـ إذا أردنا أن نعيه ونستوعب دروسه وننتفع بعبره ـ أن يكون لنا قلب حي يشعر، وعقل حاضر يتذكر، وسمع يقظ يصغي ويفهم.. فهل يمكن أن نكون واعين بأحداثنا المعاصرة، وهل لدى الطغاة الذين يبيدون شعوبهم اليوم قلب أو عقل أو سمع أصلا؟!