الأربعاء 25 ديسمبر 2024 11:58 مـ 23 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    ”حسن.ٌنصرُ غزةَ”

    رابطة علماء أهل السنة

    بعد أيام يكمل طوفان الأقصى عامه الأول، عام لم يمر على الأمة الإسلامية مثله من وجوه كثيرة منها:

    أن الفئة القليلة المحاصرة من سبعة عشر عاماً أخذت بالأسباب، واستجابت للأمر بالإعداد، ورفضت الاستكانة للاحتلال، أو قبول الضيم والرضا بالظلم، وقرر مليونا محاصر في القطاع الأفقر الدفاع عن مقدسات ملياري مسلم يملكون من ثروات العالم النسبة الأكبر، ويملكون أكبر ترسانة صدأة من الأسلحة المكدسة.

    إنها غزة... البقعة الوحيدة التي تملك قرارها في محيطها العربي، والتي أثبتت ببسالة أبنائها أنها أقوى من الجيوش العربية مجتمعة ومنفردة، تلك التي لم تصمد في مواجهة جيش الاحتلال أكثر من ستة أيام في أحسن الأحوال، وذلك لضعف قيادتها ووهن تركيبتها، والدليل أن الجيش الذى طالما طنطن أنه لا يقهر باغتته المقاومة، ورأينا قادته يجرون أذيال الخزي والهزيمة، ويعلنون ذلك في استقالات رسمية متكررة.

    أكبر المناصرين لجهاد فلسطين، والمتفائلين بثبات أهل غزة، لم يراهنوا على ثباتهم أكثر من ستة أشهر على الأكثر، أمام آلة الحرب التي اجتمع فيها صهاينة الشرق والغرب، في تحقيق واضح لتكالب الأمم، وتحالف الدول على عدوها المشترك، حتى أصبحت حرباً عالمية مكتملة الأركان بقيادة الأمريكان، ومعهم أكبر القوى العسكرية العالمية، ومع ذلك لم يحقق هذا الحلف شيئاً من أهدافه، بل وكشفت هذه الحرب الفاضحة أقنعة الغرب الكاذبة، عن حقوق المرأة والطفل، ومعاهدات الأسرى وجمعيات حقوق الإنسان، مما انخدع بها السذج من صرعى الغزو الفكري، وعبيد الاحتلال الثقافي، حيث رأينا الدول الكبرى كيف سخرت كل مقدراتها لحماية المحتل وتبرير جرائمه، وتزويده بما يلزمه.

    وفي المقابل بقيت غزة وحدها، ولم نجد في جوارها العربي أو محيطها الإسلامي من ينجدها، أو يحاول موازنة الكفة، وظهر أن الفيتو الأمريكي لا يقوى أحد منهم على مخالفته، وانقسم قادة الأمة إلى قسمين:

    الأول: متحالف مع حلف المحتلين، ومطبع مع الصهاينة سراً وعلانية، فهو منهم وهم منه.

    الثاني: عاجز عن فعل شيء، ومستسلم لما يفرض عليه من توجيهات، ولا يملك الخروج عن سرب السادة الكبار.

    وبقيت إيران وأذرعها الاستثناء من ذلك، حيث استثمرت في دعم المجاهدين في غزة، وسمحت لأذرعها العربية باشتراك محدود لتخفيف ضغط الحرب عنها، وإشغال جيش الاحتلال بأكثر من جبهة، وبعيداً عن دوافع إيران من المساندة، وما تجنيه من ثمار ونتائج، فإنها فعلت ذلك في الوقت الذي زادت فيه صادرات دول عربية مع جيش الاحتلال، وأخرى تحكم الحصار على غزة بما يضمن للعدو أن ينفذ خطته تحت مظلة عربية، بل وصل الأمر بسلطة التنسيق الأمني مع المحتل، إلى إلقاء القبض على المقاومين، ومداهمة منازل ذويهم، تحسباً لتحركهم تضامناً مع غزة.

    ويحلو لبعض المسلمين الحديث عن عدم جدوى مساندة إيران وأذرعها لأهل فلسطين، وأنها أدوار متفق عليها سلفاً، حتى رأينا الاحتلال يغتال سيادة إيران باستهداف القائد إسماعيل هنية على أرضها، وفي أكثر أماكنها سيادة ورمزية، ثم قصفت مقر قيادة حزب الله اللبناني، وقتلت فيه عدداً من القادة على رأسهم أمين الحزب حسن نصر الله، ومع ذلك يصعب أن تُخرج أصحاب هذا الرأي عن فكرة المسرحية، ثم يتحول النقاش معهم إلى معارك جدلية، لا يقل وطيسها عن المعارك الحربية، وكل يدعي امتلاك الحقيقة الكاملة، وأن معه الحق المطلق.
    في حين أن مثل هذا المعضلات الشائكة، والمصالح المتشابكة، تحتاج إلى شيء من الأخذ والرد، والقبول والترك، وإفساح المجال للرأي الأخر، والتفسيرات المخالفة، دون تهوين أو تخوين، لكن كثرة الجدل واتساع رقعة الخلاف، لا سيما مع الأحداث المتقاطعة، والمصالح المتضاربة، ذكرني بحال السلف الصالح مع فقه الخلاف وأدب الاختلاف وما حفظناه عنهم في ذلك: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
    أما نحن الآن فعلى قاعدة: رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب!

    (١/٢)
    لماذا لا نسلم بتعدد الزوايا في المسألة الواحدة، وأن ما يسع أهل بلد قد لا يسع غيرهم، وأن واجب الوقت أن نعامل العدو بمعاملته، ونوسع دائرة الحرب رداً على توسعته؟ ونرفع شعار قتال الكافة الذي أمرنا الله به: ﴿وَقَـٰتِلُوا۟ٱلۡمُشۡرِكِینَ كَاۤفَّةࣰ كَمَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ كَاۤفَّةࣰۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ﴾ [التوبة: ٣٦]. ونراه مطبقاً واضحاً من جهة أعدائنا، الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، أياً كانت طائفته أو طريقته، وأياً كان موقفك من هذا الحزب وزعيمه، فاعلم أن استهدافهم من الصهاينة كان بسبب موقفهم من غزة، وليس رداً على جرائمهم في ساحات أخرى، لن تسقط عقوبتها عند الحكم العدل.

    وفي الختام..
    فإن ما يؤخذ على المجاهدين، هو نتيجة خذلان بقية المسلمين، وأول عواقب الخذلان ما تعيشه الجماهير العريضة من اختبار في العواطف، وتضارب في الاختيارات، مع الأخذ في الاعتبار أن كثرة الجدل تقلل العمل، وصرف الجهد إلى دعم المجاهدين أولى من مناظرة المنظرين، وأن هذه الزوابع لن تغير عين الحقيقة، وهي أن الجهاد المبرور في غزة راية جلية لا غبش فيها، ولا اختلاف عليها، وأن قضية فلسطين خافضة رافعة، والعاقل من سعى لتبييض صحيفته بنصرتها، والوقوف تحت لوائها، والخائن من تحالف مع عدوها، أو طبع معه ورضي فعله، وهم في الجرم سواء.

    مقالات