الأحد 17 نوفمبر 2024 04:21 مـ 15 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    ما الذي تريده إسرائيل من أردوغان؟

    رابطة علماء أهل السنة

    تصاعدت حرب التصريحات الإسرائيلية ومن عناصر قيادية في الكيان الصهيوني ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والدولة التركية في الأسابيع إذ اتهم وزير خارجية الكيان الصهيوني الرئيس التركي بإيواء قيادات تنظيم إرهابي؛ في إشارة إلى المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس في تركيا، بل إن خارجية الكيان الصهيوني راحت تغازل قيادات المعارضة التركية وخاصة بحزب الشعب الجمهوري، وتتمنى توليهم السلطة، وإقامة علاقات مع الكيان أكثر تعاونا. وقد كان من الجيد تعليق رئيس بلدية إسطنبول على الخارجية الإسرائيلية بأنهم ضد أي تحرش بالرئيس أردوغان والدولة التركية.

    سر الهجوم على الطيب أردوغان

    بداية لا أخفي إعجابي الكبير بالرئيس التركي، وهذا الإعجاب ليس نابعا من كوني ضيفا على هذه الدولة وأولادي منذ أكثر من خمس سنوات، ولا لأن حكومته استقبلت أكثر من خمسة ملايين عربي على أرضها خلال عشر سنوات أو أكثر، وليس لأننا لم نشعر أننا غرباء عن هذا الشعب الطيب، رغم بعض المضايقات الضئيلة التي يتعرض لها بعض العرب في بعض الولايات التركية، فكل هذا ليس سببا لحالة الإعجاب المتزايدة لدي بالرئيس..

    فالرئيس التركي تردد اسمه قبل ثورة يناير في مصر كأحد أهم رؤساء الوزراء الناجحين في العالم، إذ قاد تركيا من دولة فقيرة نسبيا إلى دولة يعد اقتصادها حاليا من أهم اقتصادات العالم. وربما كان انتماء أردوغان للفكرة الإسلامية، ثم ادعاء بعض الإسلاميين المصريين قربهم منه كان سببا في وجود حاجز نفسي معه في البداية، ولم أكن زرت تركيا، وعندما أتيحت لي الفرصة وكان ذلك بداية عام 2017 تغيرت النظرة لهذا الرجل.

    تركيا أصبحت حلما جميلا بالنسبة لي في التعليم، والصحة، والاقتصاد، والسياسة. فالرئيس الذي يخوض الانتخابات وينجح بنسبة 53% أصبح نموذجا إسلاميا وللعالم الثالث (النامي). وقد عشت منبهرا -ثلاثة أشهر- بكل ما تحققه الحكومة التركية، وكانت الجملة التي رددتها أن أردوغان يحقق حلم عبد الناصر في تركيا.

    عدت بعدها -ثلاثة أشهر أخرى- لأقرر أن تكون تركيا مستقرا لي، إذ كان الاقتصاد التركي قد وصل درجة كبيرة من النجاح، وبدأ البعض يقلق من هذا التقدم، ومع توسع السياسة التركية في استقبال العرب زوارا ولاجئين، كان التقدم الاقتصادي أحد أهم عوامل القلق من تركيا كقوة إسلامية إقليمية.

    منذ سنوات الصعود الاقتصادي التركي بدأت محاولات الحد من قوة تركيا الصاعدة، وبدأت حرب الاقتصاد ضد عملتها. هذه الحرب التي لا أستطيع إيجاد سبب لها، فتركيا دولة تصنيع لكافة أنواع الصناعات، ومنتجة للزراعة، وتعد أحد أهم عشر دول تصدر الفاكهة والخضروات.

    وهي دولة سياحية بالدرجة الأولى إذ وصل عدد السائحين فيها إلى 55 مليون سائح العام الماضي، مع أكثر من 60 مليار دولار عائدات سياحية، فلماذا تتدهور العملة التركية لتلك الدرجة في الدولة التي لا يكاد يمر يوم عليها دون تسجيل الجديد في عالم الصناعة، في حين تصدر صناعاتها لكل أنحاء العالم؟ هناك سر لا يستطيع فهمه أو تحليله خبراء الاقتصاد! وظني أنها مسألة سياسية.

    الرئيس التركي وحكومته كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعضو في حلف الناتو الأوروبي الأمريكي، وكانت تقيم علاقات تجارية مع الكيان الصهيوني حتى أشهر قليلة ماضية. وبعد طوفان الأقصى وكل المجازر التي يرتكبها الجيش الصهيوني يوميا أعلنت تركيا قطع العلاقات التجارية مع الكيان الصهيوني، وسحبت السفير التركي من تل أبيب، وطردت السفير الصهيوني.

    إذن السبب الرئيس لسوء العلاقات هي جرائم الكيان الصهيوني وجيشه في غزة -فجر السبت وقعت مذبحة في مدرسة إيواء استشهد فيها نحو 100 مصل ـ فلماذا تهاجم إسرائيل الرئيس أردوغان وتغازل المعارضة التركية؟ يكمن السبب الرئيس في موقف الطيب أردوغان من الاجتياح الصهيوني لغزة وجرائمه، خاصة بعد اغتيال القائد الشهيد إسماعيل هنية.

    ما بعد الطوفان

    منذ بدء طوفان الأقصى وغزو الجيش الصهيوني لغزة لا تتوقف التظاهرات في كل أنحاء تركيا تضامنا مع المقاومة في غزة والضفة الغربية، ومع أهل فلسطين الذي تعرضوا لمذابح يومية وبلغ عدد شهدائهم أكثر من 40 ألفا، وعدد المصابين أكثر من 100 ألف، وكل الأحداث خلال عشر سنوات زادت من حدة موقف تركيا التي تقدمت بمذكرة للتضامن والمشاركة مع جنوب إفريقيا في القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية ضد عدوان الكيان والإبادة التي يمارسها ضد المدنيين بقطاع غزة.

    وقد كشفت الأجهزة التركية مؤخرا عن احباطها عدة محاولات لاغتيال الشهيد إسماعيل هنية وبعض قيادات المقاومة الفلسطينية، وكانت هذه الأجهزة قد حذرت هنية -كما ذكرت وسائل إعلام تركية- من زيارة إيران التي تعرض فيها للاغتيال والشهادة. وقبل أشهر ولمرتين تم القبض على عناصر تتعاون مع الموساد الصهيوني في تنفيذ عمليات وتجنيد لبعض العرب والأتراك في تركيا. ويعد ذلك سببًا آخر من أسباب تلك الحرب على الرئيس التركي من جانب الكيان الصهيوني.

    والأسبوع الماضي شهدت تركيا أكبر مشاركة في صلاة الغائب على روح الشهيد القائد الفلسطيني العربي المسلم إسماعيل هنية، فأكثر من 90 ألف مسجد شهدت صلاة الغائب على الشهيد، وكان على رأس المصلين الرئيس التركي وقيادات الدولة التركية في الصلاة التي أقيمت في مسجد آيا صوفيا في إسطنبول. ولعل اختيار الدولة التركية لآيا صوفيا ذي دلالة تاريخية وروحية، ولم تخل مدينة أو ولاية تركية، أو مسجدا صغيرا أو كبيرا من صلاة غائب على الشهيد الفلسطيني الكبير.

    شاركت تركيا أيضا بأكبر وفد في الجنازة التي أقيمت للشهيد في قطر، وشاركت عبر بعض قيادات الخارجية في الجنازة التي أقيمت في طهران، تلك المشاركة لَمْ تَحْظَ بقبول من الكيان الصهيوني، ومع تصاعد الغضب التركي على استمرار العدوان الصهيوني وجرائمه كان الرد الطبيعي هو تلك الحرب الكلامية ضد الرئيس التركي التي وصلت إلى اتهامه بمعاداة السامية، وإيواء قيادات تنظيمات إرهابية.

    التصريحات التي قوبلت بردود رسمية قوية من الرئيس التركي الذي وصف نتنياهو رئيس وزراء عصابة الكيان بالنازية، وأنه هتلر العصر. والواقع لم يخذلنا أردوغان في رده على نتنياهو وأفراد عصابته في الخارجية الإسرائيلية أو حكومته، وشاركت قيادات الخارجية التركية والوزراء، وأعضاء البرلمان ورئيسه في الرد على سفالات الصهاينة.

    التضامن الشعبي التركي في الرد على الحرب ضد الرئيس التركي كان عاليا وخاصة بعد انتقادات عن الحضور التركي في جنازة أبو العبد بالدوحة، وشهدت أسوار إسطنبول التاريخية صورا للشهيد إسماعيل هنية، وصورا أخرى للقائد الجديد للمكتب السياسي لحركة حماس القائد يحيى السنوار الذي جاء اختياره دليلا ومؤشرا على استمرار نهج المقاومة حتى تحرير المسجد الأقصى وتحرير فلسطين.

    في ظل دعم تركيا والرئيس التركي للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني سوف يزداد الغضب الصهيوني والغربي على تركيا، وفي ظل سياسات تركية تضعها في مكانة اقتصادية وسياسية سوف تشتعل الهجمات على أردوغان، التي أرجو أن ينجي الله منها الدولة التركية ورئيسها.

    أردوغان تركيا هجوم إسرائيل طوفان الأقصى السامية

    مقالات