الطريق إلى الحَجّة المبرورة (1)
الدكتور عادل الحمد رابطة علماء أهل السنة إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين.
أما بعد،
فالحج ركن الإسلام الخامس، فرضه الله على عباده مرَّة فِي العمر، فيجتهد المسلم فِي أداء هَذِهِ الفريضة الَّتِي لعلَّه لا يستطيع فعلها بعد ذلك فِي حياته كلِّها، وخاصَّةً أهل البلاد البعيدة عن الحرمين. لذلك يحرص الحُجَّاج على أن تكون هَذِهِ الحَجَّة هي الحَجَّة المبرورة الَّتِي وعد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم صاحبها بالجنَّة.
وعادة الحُجَّاج فِي هَذَا الزمان أنَّهم يأتون فِي مجموعات للحجِّ يقودها شخص أو مجموعة أشخاص تحمل أسماء مختلفة، مثل المطوِّفين، أو حملات الحجِّ، أو شركات، أو غيرها من الأسماء الدَّالة على أنَّ هَذَا الحاج يدار فِي أدائه للنُّسك من قبل هَذِهِ الجهة.
أما الحاجُّ فله هدف واحد جاء من أجله، وهو أداء النُّسُك على الوجه الذي شرعه الله وطبَّقه رسوله صلى الله عليه وسلم ، لينال الحَجَّة المبرورة الَّتِي ليس لها جزاء إلا الجنَّة.
وأما إداريو حملات الحجِّ فلهم أهداف أخرى قد تختلف عن هدف الحاجِّ، فيقع التضارب بين أهداف من يدير شأن الحجَّاج، وبين الحجَّاج.
وهذه رسالةٌ صغيرةٌ كتبتها نصحًا لإخواني الذين يعملون فِي إدارة حملات الحجِّ بشتَّى مستوياتها أَلفِتُ نظرَهم فيها إلى جانبٍ واحدٍ فقط من جوانب الإدارة فِي الحجِّ وهو: خطَّة الحركة فِي الحجِّ وأثرها على تحصيل الحَجَّة المبرورة، ليتَّفق هدف الحاجِّ مع هدف إدارة حملات الحجِّ فِي تحصيل المقصود.
وليس المقصود من هَذِهِ الرسالة مناقشة مسائل الحجِّ الفقهية مناقشة مستفيضة، فهذه لها رجالها وكتبها الَّتِي استفاضت فِي بيان تفاصيلها.
هذه الرسالة أو النصيحة جاءت بعد أن منَّ الله عليَّ بحجِّ بيته الحرام 36 حجة فِي 39 سنة، رأيت خلالها كلَّ التطورات والأحداث الَّتِي مرت على المشاعر من عام 1401ه إلى تاريخ كتابة هَذِهِ الرسالة فِي 17 ذي الحَجَّة 1439ه، كما مارست فِي هَذِهِ المرحلة شتى الأدوار فِي الحجِّ، من حاجٍّ إلى مرشدٍ للحجيج إلى إداري فِي حملات الحجِّ، إلى مُخطِّط لحملات الحجِّ، وغيرها.
أذكر هَذِهِ النعمة الَّتِي أنعم الله بها عليَّ حتى لا يظنَّ ظانٌّ أني أكتب من خيال ومن فراغ، وممن لا يعرف المشاعر وأحوالها.
وجعلت هَذِهِ الرسالة على شكل نقاط مترابطة أرجو أن تصل بالقارئ إلى المقصود وأن تُحقِّق النصح لإخواني فِي إدارة حملات الحجيج فِي أي بلد كانوا، سائلًا المولى عَزَّ وَجَلَّ أن يجعلها لوجه خالصة وأن يتقبَّلها مني ويُثقِّل بها موازين حسناتي. راجيًا من إخواني الذين يطَّلعون على هَذِهِ الرسالة تسديد ما فيها من نقص وتطويرها عسى الله أن يُوفِّق الجميع لخدمة ضيوفه فِي تحقيق هدفهم المنشود (الحجة المبرورة).
وردت أحاديث كثيرة تُبيِّن فضل الحجِّ، منها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ». رواه البخاري ومسلم.
ولما رغبت عائشة فِي الجهاد فِي سبيل الله أرشدها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه لا جهاد على النساء ولكن جهادهنَّ الحجُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لاَ، لَكنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ». رواه البخاري.
ولما سأل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أحدُ الصحابة: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». رواه البخاري ومسلم.
والأحاديث فِي فضل الحَجَّة المبرورة كثيرة.
وقد حجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حجَّةً واحدةً، ولا نشكُّ أنَّها حجَّة مبرورة بجميع ما حوت من أعماله صلى الله عليه وسلم وسنَّته فيها، وخُطَّة سيره وحركته صلى الله عليه وسلم ومواقيتها الَّتِي اختارها هي جزء من النُّسك الذي شرعه لنا، فهي جزء من الحَجَّة المبرورة. قال ابن تيمية رحمه الله: ((وَلَا حَجَّةَ تَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ حَجَّةِ أَفْضَلِ الْأُمَّةِ مَعَ أَفْضَلِ الْخَلْقِ بِأَمْرِهِ))(. (مجموع الفتاوى 26/ 87.)
فهذه الحَجَّة الَّتِي حجَّها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هي المثال الذي يَحتذي به كلُّ من يريد أن يحجَّ حجَّة مبرورة.
نكمل غدًا إن شاء الله.