الجمعة 27 ديسمبر 2024 03:17 صـ 25 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    معادلة ربّانيّة

    رابطة علماء أهل السنة

    معادلات قرآنية وسنن إلهية يتعامل بها ربُنا جل وعلا مع عباده، فمن استوفى الشروط استحق العطاء، ومن أخلّ بالشروط فلا يلومنّ إلا نفسه.

    ومن هذه المعادلات، قوله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) الطلاق.

    وللأسف يحصر البعض منا عطاء الله " ما آتاها" في الأموال فقط، غير أن الواحد منا إذا تدبّر قول الله عز وجل: ( وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات، لعلم بحق ما آتاه الله، من نعم يجب أن ينفق منه.

    في غزوة بدر عندما تحرك رسول الله إلى موقع ماء بدر، وبالقرب من مكان المعركة، نزل بالجيش عند أدنى بئر من آبار بدر ، وهنا قام الْحُبَاب بْنَ الْمُنْذِرِ وأشار على النبي بموقع آخر أفضل من هذا الموقع قائًلا : أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلاً أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟ قَالَ : ” بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ” .. فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ [ أي نقوم بردم ] مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ.. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ – صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ – مشجعًا – :” لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ”.

    فالحباب رضي الله عنه، آتاه الله خبرة وعقلا راجحا، حينما رأى من اختيار رسول الله شيئا لم يستقم مع عقله وخبرته ، أسرع بالإنفاق مما آتاه الله من العقل والخبرة، ولم يمنعه كونه رسول الله أن يراجعه في الأمر وأن يبدي رأيه الفني فيه، حتى وإن كان مخالفا لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    والكثير من المواقف في تاريخ أمتنا توضح لنا كيف كان أجدادنا يبصرون ما آتاهم الله في أنفسهم، مثل مساهمة سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه بفكرة حفرة الخندق، ونُعيم بن مسعود وكيف خذّل عن جيش المسلمين يوم الأحزاب، وصاحب النقب الذي لا يعرف أحد اسمه حتى الآن رغم أنه كان سببا في انتصار جيش المسلمين على الروم.

    هؤلاء جميعا لم يؤتهم الله مالا وفيرا، ولكنهم نظروا في أنفسهم فعلموا ما آتاهم الله فأنفقوا منه.

    والإنفاق مما آتاك الله، هو شكر النعمة، وللشُكر معادلة أخرى، تتمثّل في قوله تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)إبراهيم

    فمن وفقه الله للشكر، أعطاه المزيد، وكلما اكتشف العبد المزيد الذي أعطاه الله له " أبصر في نفسه" بذل وأنفق منه، وهنا يعطيه الله أيضا المزيد.

    فالمعادلة الربانيّة تبدأ من: 1 - لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا

    وما أوتي العبد يعرفه من قوله تعالى : 2 - وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ

    فإذا أنفق العبد مما أبصره يزيده الله تعالى: 3 - لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.

    فهذه معادلة ربّانية، وضعها الله قانونا في تعامله مع عباده، ولكن على العبد أن يدرك هذه المعادلة ويتصرّف وفق شروطها لينال المزيد.

    وفي ظل الظروف التي نعيشها الآن " الحرب على غزة " وما يتعرض له إخواننا من إبادة جماعية، وتكالب الأعداء عليهم من كل جهة، وخيانة الحكام العرب وانبطاحهم لليهود خوفا على عروشهم، يبحث كل واحد منا عن الدور الذي يستطيع القيام به "اعتذارا إلى الله" حتى لا يعتبر متخاذلا عن نصرة إخوانه.

    فابدأ وطبق المعادلة، وابحث في نفسك عن ما آتاك الله لتقوم بتأدية شكره، فإن كنت تستطيع الدخول إليهم وتملك القوة لتقاتل معهم فافعل، وإن كنت لا تستطيع ولكنك تملك مالا فلتجهز غازيا أو تخلفه في أهله، وإن كنت صاحب قلم فاكتب ولتؤدي دور سيدنا " حسان بن ثابت " والذي كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر، وإن كنت تعمل على وسائل التواصل الاجتماعي فانشر ما ينفعهم ولتفضح جرائم الاحتلال الصهيوني، ولا نستطيع حصر كل إمكانات البشر في هذه الكلمات للتنوع الرهيب في النعم التي آتاها الله لعباده، ولكن ان لم تستطع أن تجد في نفسك من شيء يستحق الشكر، فعليك بالدعاء فهو السلاح الوحيد الذي يملكه كل البشر، ولا يسع أي إنسان أن يقول لا أستطيع.

    ولذا فلينفق كل منا مما آتاه الله، فإذا أنفق الجميع بصدق، سيتحقق موعود الله في المعادلة الربانية " سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" صدق الله العظيم

    معادلة ربانية القرآن الشكر لأزيدنكم أفلا تبصرون

    مقالات