الممر الاقتصادي الجديد والاستغناء عن قناة السويس
الأستاذ عامر عبد المنعم رابطة علماء أهل السنةالإعلان عن الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بأوروبا عبر ثلاث دول عربية وإسرائيل يأتي ليفرض التطبيع على القسم الشرقي من العالم العربي بقوة المصالح الاقتصادية، دون اعتبار للضرر الذي يصيب مصر بسبب نقل جزء من التجارة الدولية التي تمر بقناة السويس إلى الطريق الجديد، وكان واضحًا أن المخططين للمشروع هدفهم الرئيسي جعل إسرائيل قائدة للمنطقة العربية، وأن تكون هي محور النشاط الاقتصادي بين آسيا وأوروبا.
تم الإعلان عن المشروع في قمة العشرين، الذي يهدف إلى إنشاء ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا لتحفيز التنمية الاقتصادية وتعزيز التجارة، يتكون من ممرين منفصلين، الممر الشرقي يربط الهند بالإمارات وهو ممر بحري، والممر الشمالي وهو ممر بري، يبدأ من الإمارات مرورًا بالسعودية والأردن وحتى ميناء حيفا بـ”إسرائيل”، وبعدها يتجه إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، ويتكون الممر من خط ملاحي وخطوط السكك الحديدية، وبجوارها الأسلاك الكهربائية وكابلات الاتصالات والإنترنت، وأنابيب نقل الطاقة.
كان الاحتفال الحقيقي بالمشروع في “إسرائيل”، حيث قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تعليقه على الإعلان عن المشروع “أزف بشرى سارة لكل مواطني إسرائيل. بشرى تقودنا نحو عصر جديد من الاندماج والتعاون الإقليمي والعالمي الفريد من نوعه وغير المسبوق. بشرى تُحوّل إسرائيل إلى مفرق رئيسي في هذا الممر الاقتصادي”.
وصف نتنياهو الممر الاقتصادي بأنه “مشروع التعاون الأكبر في تاريخنا “، وأشار إلى أن إسرائيل “ستلعب دورًا محوريًّا في مشروع دولي غير مسبوق سيغيّر وجه الشرق الأوسط ووجه إسرائيل وسيؤثر في العالم بأسره”.
اتفاقات إبراهام
جاءت فكرة المشروع من خلال المحادثات التي جرت على مدار 18 شهرًا في منتدى (I2U2)، وصدر أول بيان للمنتدى في يوليو/تموز عام 2022 لمناقشة مشروعات البنية التحتية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ولتكون بمثابة جهد مقابل لمشروع الحزام والطريق الذي تعمل الصين على تنفيذه.
جاء انضمام الهند إلى التحالف الرباعي بعد التطبيع العلني بين العرب والإسرائيليين، وتوقيع اتفاقية إبراهام عام 2020 في واشنطن بين إسرائيل والإمارات والبحرين برعاية الرئيس الأمريكي السابق ترمب، وتأسيس منتدى النقب في “إسرائيل” في مارس/آذار 2022 الذي انضمت إليه مصر والمغرب بجانب الإمارات والبحرين والولايات المتحدة، مما عدَّه الهنود نهاية الموقف العربي ضد التطبيع، الذي كان سببًا في مراعاة الهند لمصالحها مع الدول العربية وإخفاء علاقاتها السرية مع الإسرائيليين منذ حركة عدم الانحياز.
ضربة استباقية لمشروع الصين
تشعر الولايات المتحدة بالقلق من سعي الصين لإحياء طريق الحرير القديم الذي يفتح ممرات اقتصادية مع قارات العالم ويزيد من قوتها ونفوذها على الصعيد العالمي، وقد أعلنت الصين مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013 وأبرمت اتفاقيات تعاون مع أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية، ورصدت ما يقرب من تريليون دولار لمساعدة الدول المشاركة في الانتهاء من البنية الأساسية.
حرصت الصين في الحزام والطريق على استيعاب كل المشروعات الإقليمية المطروحة، ولم تستبعد أي مشروع يسهّل حركة النقل في كل القارات، في الشمال والجنوب، في اليابسة وفي المحيطات والبحار، وكانت الصين تتحرك بثقة لكونها مركز التصنيع في العالم، وبالتالي فإنها محور حركة التجارة الدولية.
لم يتصادم الحزام والطريق مع المشروع الروسي الإيراني “شمال- جنوب”، وضم إليه “الممر الأوسط” الذي يربط تركيا والدول الأعضاء في منظمة الشعوب التركية ويصل إلى الصين، ولم يتصادم مع “طريق التنمية” التركي- العراقي الذي يبدأ من ميناء الفاو على الخليج العربي، كما أن الصين ضمت طريق قناة السويس ولم تستبعدها ومدت الحزام إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
لا يبدو أن الممر الجديد الذي يربط الهند بأوروبا عبر إسرائيل سيكون بديلًا للمشروع الصيني الضخم لأكثر من سبب، فالهند رغم ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي بها في السنوات الأخيرة فإنها تستورد أكثر مما تُصدّر، ورغم الاهتمام الأمريكي فإن أمام الهند طريقًا طويلًا للحاق بالصين، كما أن الممر لا يخدم منطقة جنوب شرقي آسيا التي تدور في الفلك الصيني، ولا يخدم إفريقيا وأمريكا الجنوبية، ولا يخدم روسيا وشمال أوروبا وشرقها، ولا يخدم تركيا ودول آسيا الوسطى.
لكن يبدو أن الحزام والطريق يحتاج إلى وقت والمزيد من الأموال لاكتماله، خاصة مع التراجع الاقتصادي العالمي، وعدم قدرة الكثير من الدول على التمويل أو العجز عن تسديد القروض الصينية.
تراجع دور قناة السويس
تُعَد مصر أكبر الخاسرين من الممر الاقتصادي الجديد، فحركة النقل في قناة السويس ستتأثر سلبًا، وبجانب حركة البضائع التي ستغيّر اتجاهها، فهناك تغيير في خط سير كابلات الإنترنت التي تعبر من القناة وتستفيد مصر من مرورها، وخطوط الكهرباء وأنابيب الطاقة التي ستكون من مكونات الممر كلها ستغيّر طبيعة الجغرافيا وتضع نهاية للميزة النسبية لموقع مصر لصالح “إسرائيل”.
ستحرص الدول المشاركة مع “إسرائيل” على إنجاح الممر الاقتصادي بتوجيه حركة الملاحة إلى دبي وليس إلى قناة السويس، وسيترتب على ذلك عزل مصر، وازدياد حركة النقل في الجزء الشرقي من البحر المتوسط، وهذا سيؤدي بالتبعية إلى تكثيف الوجود العسكري الإسرائيلي والغربي، مما سيترتب عليه توازنات جديدة لن تكون مريحة لمصر وتركيا، وللدول العربية في الشمال الإفريقي.
سيكون الممر الجديد سببًا في مزيد من الانقسام في العالم العربي، فقديمًا وحديثًا تلعب طرق التجارة دورًا حيويًّا في تغيير السياسات والتأثير في الهوية والثقافات، ولها انعكاسات حضارية على الدول التي تمر بها، وفي الدول العربية نواجه اليوم توجهات تبحث عن المصالح الضيقة، وتبني التحالفات على أسس نفعية انتهازية دون أي احترام للثوابت والقيم التي كانت مصدر الوحدة والقوة.